مِنْ أنَّ التحريمَ إنَّما هو إذا حصَلَتِ الإجابةُ بحَديثِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ، فإنها قالَتْ:«خطَبَني مُعاويةُ وأبو جَهمٍ فلمْ يُنكِرِ النبيُّ ﷺ خِطبةَ بعضِهم على بَعضٍ، بل خطَبَها لأسامةَ».
قالَ النَّوويُّ: وقد يُعتَرضُ على هذا الدَّليلِ فيُقالُ: لعلَّ الثَّاني لم يَعلمْ بخِطبةِ الأولِ، وأمَّا النبيُّ ﷺ فأشارَ بأسامةَ، لا أنهُ خطَبَ لهُ. انتهى.
وقالَ والِدِي ﵀ في «شَرح التِّرمذيِّ»: وفيهِ نَظرٌ، وقالَ قبلَ ذلكَ: لعَلَّه لمَّا ذكَرَ لها ما في أبي جَهمٍ ومُعاويةَ ممَّا يُرغِّبُ عنهُما رَغِبتْ عنهُما، فخطَبَها حينئذٍ على أسامة، وقالَ أيضًا: في الاستِدلالِ به نَظرٌ؛ لأنهُ لم يُنقلْ أنَّ واحِدًا مِنْ أبي الجَهمِ ومُعاويةَ أُجيبَ، لا تَصريحًا ولا تَعريضًا.
قلتُ: والشَّافعيُّ ﵀ لم يَذكرْ هذا الاستِدلالَ في صُورةِ التَّعريضِ، وإنَّما ذكَرَه عندَ عدمِ الرِّضا والرُّكونِ، فقالَ التِّرمذيُّ في جَامعِه: قالَ الشَّافعيُّ: معنَى هذا الحديثِ: «لا يَخطُبِ الرَّجلُ على خِطبةِ أخيهِ» هذا عندَنا إذا خطَبَ الرَّجلُ المرأةَ فرَضيَتْ به وركَنَتْ إليه، فليسَ لأحدٍ أنْ يَخطبَ على خِطبتِه.
وأمَّا قبلَ أنْ يَعلمَ رِضاها أو رُكونَها إليه فلا بأسَ أنْ يَخطبَها، والحُجةُ في ذلكَ حديثُ فاطمةَ بنتِ قَيسٍ، فذكَرَه ثمَّ قالَ: فمعنَى هذا الحديثِ عندَنا -واللهُ أعلَمُ- أنَّ فاطِمةَ لم تُخبِرْه برِضاها بواحدٍ منهُما، ولو أخبَرتْهُ لم يُشِرْ عليها بغيرِ الَّذي ذكَرَتْ. انتهى.