تُترقَبُ فيها المُقاسَمةُ لم تَثبُتْ فيه الشُّفعةُ قياسًا على مَشاعِ الغِراسِ والأبنيةِ، ولأنَّ أُصولَ الشَّرعِ مُقرَّرةٌ على الفَرقِ بينَ أَحكامِ المالِ المُشتَركِ والمالِ غيرِ المُشتَركِ، ألَا تَرى أنَّ مَنْ أعتَقَ حِصةً له من عَبدٍ قُوِّم عليه باقيه ولا يُقوَّمُ عليه غيرُه، ولو أعتَقَ بعضَ عَبدِه عُتِق جَميعُه ولا يُعتَقُ غيرُه، ولو بدأ إِصلاحَ بعضِ حائِطِه حُكمَ بإِصلاحِ جَميعِه ولا يُحكمُ بإِصلاحِ غيرِه، فكانَت شَواهِدُ هذه الأُصولِ تُوجِبُ في الشُّفعةِ إذا ثبتَتَ في الشَّركةِ أنْ تَنتَفيَ عن غيرِ الشَّركةِ؛ لأنَّ الشُّفعةَ إنَّما وجَبَت لدَفعِ الضَّررِ بها لا لدُخولِ الضَّررِ فيها، وفي وُجوبِها للجارِ ضَررٌ داخِلٌ لتَقاعُدِه بالمالِكِ في بَدلِ النَّجشِ من الثَّمنِ؛ لتُثبتَ أنَّ غيرَه لا يُقدَّمُ على ابتِياعِها مع عِلمِه بشُفعتِه، ولا يُوجدُ مِثلُ ذلك في المُشتَركِ؛ لأنَّ الشَّريكَ يَقدِرُ على دَفعِ هذا الضَّررِ بمُقاسمةِ شَريكِه، وما كانَ مَوضوعًا لرَفعِ الضَّررِ لم يَجزْ أنْ يَدخلَ فيه الضَّررُ؛ لأنَّ استِحقاقَ الشُّفعةِ في المُشتَركِ إنَّما هو لضَررٍ لا يَقدِرُ على دَفعِه، وهو مُؤنةُ القِسمةِ، وهذا المَعنى مَعدومٌ في غيرِ المُشتَركِ (١).
وقالَ القاضِي عبدُ الوَهابِ ﵀: الشُّفعةُ بالجِوارِ لا تُستحَقُّ، خِلافًا لأَبي حَنيفةَ؛ لقَولِه ﷺ:«الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ، فإذا وقَعَت الحُدودُ فلا شُفعةَ» ففيه ثَلاثةُ أدِلةٍ:
أحدُها: أنَّه أخبَرَ عن مَحلِّ الشُّفعةِ أنَّه فيما لم يُقسَمْ، فانتَفى بذلك وُجوبُها في غيرِه.