للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحدُهما: أنَّه مَحمولٌ على عُمومِ القِسمةِ حادِثةً ومُتقدِّمةً.

والثانِي: أنَّه إنَّما نَفَى الشُّفعةَ عن المَقسومِ بما أثبَتَها في غيرِ المَقسومِ، فلمَّا أثبَتَها في غيرِ المَقسومِ بالبَيعِ دَلَّ على أنَّه نَفاها عن المَقسومِ بالبَيعِ، ورَوى أبو داودَ عن أَحمدَ بنِ حَنبَلٍ عن عبدِ الرَّزاقِ عن مَعمرٍ عن الزُّهريِّ عن أَبي سَلمةَ عن جابِرٍ قالَ: «إنَّما جعَلَ رَسولُ اللهِ الشُّفعةَ فيما لم يُقسَمْ، فإذا وقَعَت الحُدودُ وصُرِفت الطُّرقُ فلا شُفعةَ» (١)، وهذا أَقوَى استِدلالًا بالوَجهَينِ المَذكورَينِ من الأولِ؛ لأنَّ في قَولِه: «إنَّما» إِثباتًا لمَا اتَّصلَ بها ونَفيًا لمَا انفَصَل عنها كقَولِه: «إنَّما الأَعمالُ بالنِّياتِ» (٢).

فإنْ قيلَ: إنَّما نَفَى الشُّفعةَ بصَرفِ الطُّرقاتِ وهي للجارِ غيرُ مَصروفةٍ.

قيلَ: الطُّرقاتُ التي تُصرَّفُ بالقِسمةِ مُختَصةٌ باستِطراقِ المَشاعِ الذي يَستطرِقُه الشَّريكُ ليَصلَ له إلى مِلكِه، فإذا وقَعَت به القِسمةُ انصرَفَ استِطراقُه من مِلكِ شَريكِه، فأمَّا غيرُه من الطُّرقاتِ المُستحَقةِ فلا تَنصرِفُ أبدًا، ورَوى ابنُ جُريجٍ عن الزُّهريِّ عن أَبي سَلمةَ أو عن أَبي سَعيدٍ أو عنهما جَميعًا عن أَبي هُرَيرةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «إذا قُسِّمتِ الأرضُ وحُدَّت فلا شُفعةَ فيها».

والدَّليلُ من طَريقِ القياسِ هو أنَّ تَمييزَ «المَبيع يَمنعُ» من وُجوبِ الشُّفعةِ فيه كاللذَينِ بينَهما طَريقٌ نافِذةٌ؛ لأنَّ المَبيعَ إذا لم يَكُنْ له حالٌ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥١٤)، وابن ماجه (٢٤٩٩).
(٢) أخرجه البخاري (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>