فكانَت الشُّفعةُ مَنفيةً، ولأنَّ الأخذَ بالشُّفعةِ تَملُّكُ مالِ المُشتَري من غيرِ رِضاه، وعِصمةُ مِلكِه، وكَونُ التَّملُّكِ إِضرارًا يَمنعُ من ذلك، فكانَ يَنبَغي ألَّا يَثبُتَ حَقُّ الأخْذِ أَصلًا إلا أنَّا عَرَفنا ثُبوتَه فيما لم يُقسَمْ بالنَّصِّ غيرَ مَعقولِ المَعنى، فبَقيَ الأمرُ في المَقسومِ على الأصلِ، أو ثبَتَ مَعلولًا بدَفعِ ضَررٍ خاصٍّ، وهو ضَررُ القِسمةِ؛ لكَونِه ضَررًا لازِمًا لا يُمكنُ دَفعُه إلا بالشُّفعةِ، فأمَّا ضَررُ الجِوارِ فليسَ بلازِمٍ، بل هو مُمكنُ الدَّفعِ بالرَّفعِ إلى السُّلطانِ والمُقابَلةِ بنَفسِه، فلا حاجةَ إلى دَفعِه بالشُّفعةِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: ولأنَّ الشُّفعةَ ثَبتَت في مَوضِعِ الوِفاقِ على خِلافِ الأَصلِ لمَعنًى مَعدومٍ في مَحلِّ النِّزاعِ فلا ثبَتَت فيه، وبَيانُ انتِفاءِ المَعنى هو أنَّ الشَّريكَ ربَّما دخَلَ عليه شَريكٌ فيَتأذَّى به، فتَدعوه الحاجةُ إلى مُقاسَمتِه، أو يُطالِبُ الداخِلُ بالمُقاسَمةِ فيَدخلُ الضَّررُ على الشَّريكِ بنَقصِ قيمةِ مِلكِه وما يَحتاجُ إلى إِحداثِه من المَرافقِ، وهذا لا يُوجدُ في المَقسومِ (١).
وقالَ الماوَرديُّ ﵀: ففي الحَديثِ دَليلانِ: أَحدُهما: قَولُه: «الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ» فكانَ دُخولُ الألِفِ واللَّامِ مُستوعِبًا لجِنسِ الشُّفعةِ، فلم تَجِبْ في المَقسومِ شُفعةٌ.
والثانِي: قَولُه: «فإذا وقَعَت الحُدودُ فلا شُفعةَ»، فصرَّحَ بسُقوطِ الشُّفعةِ مع عَدمِ الخُلطةِ، فإنْ قيلَ: فإنَّما نَفَى الشُّفعةَ عنه بالقِسمةِ الحادِثةِ بعدَه ففيه جَوابانِ: