للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمرِ نَفسِه لم يَكُنْ ما ادَّعاه ظاهِرًا مَعلومًا، وصارَ كما لو تزوَّجَ امرأةً فأنكَرَت نِكاحَه ولا بَيِّنةَ له، فإذا قهَرَها على الوَطءِ من غيرِ حُجةٍ ظاهِرةٍ فإنَّه ليس له ذلك، ولو قُدِّرَ أنَّ الحاكِمَ حكَمَ على رَجلٍ بطَلاقِ امرأتِه ببَيِّنةٍ اعتقَدَ صِدقَها وكانَت كاذِبةً في الباطِنِ لم يَكُنْ له أنْ يَطأَها؛ لمَا هو الأمرُ عليه في الباطِنِ.

فإنْ قيلَ: لا رَيبَ أنَّ هذا يَمنعُ منه ظاهِرًا وليس له أنْ يُظهرَ ذلك قُدامَ الناسِ؛ لأنَّهم مَأمورونَ بإِنكارِ ذلك؛ لأنَّه حَرامٌ في الظاهِرِ، لكنَّ الشأنَ إذا كانَ يَعلمُ سِرًّا فيما بينَه وبينَ اللهِ، قيلَ: فِعلُ ذلك سِرًّا يَقتَضي مَفاسِدَ كَثيرةً مَنهيٌّ عنها، فإنْ فعَلَ ذلك في مَظنَّةِ الظُّهورِ والشُّهرةِ وفيه ألَّا يَتشبَّهَ به مَنْ ليسَ حالُه كحالِه في الباطِنِ، فقد يَظنُّ الإِنسانُ خَفاءَ ذلك فيَظهرُ مَفاسِدُ كَثيرةٌ، ويَفتحُ أيضًا بابَ التأويلِ، وصارَ هذا كالمَظلومِ الذي لا يُمكنُه الانتِصارُ إلا بالظُّلمِ، كالمُقتَصِّ الذي لا يُمكِنُه الاقتِصاصُ إلا بعُدوانٍ، فإنَّه لا يَجوزُ له الاقتِصاصُ، وذلك أنَّ الخيانةَ نَفسَها مُحرمةُ الجِنسِ، فلا يَجوزُ استِيفاءُ الحَقِّ بها؛ كما لو جرَّعَه خَمرًا أو تلَوَّط به أو شهِدَ عليه بالزُّورِ لم يَكُنْ له أنْ يَفعلَ ذلك، فإنَّ هذا مُحرَّمُ الجِنسِ، والخِيانةُ من جِنسِ الكَذبِ.

فإنْ قيلَ: هذا ليسَ بخِيانةٍ بل هو استِيفاءُ حَقٍّ، والنَّبيُّ نَهى عن خِيانةِ مَنْ خانَ، وهو أنْ يأخُذَ من مالِه مالًا يَستحِقُّ نَظيرَه.

قيلَ: هذا ضَعيفٌ لوُجوهٍ:

أَحدُها: أنَّ الحَديثَ فيه «أنَّ قَومًا لا يَدَعون لنا شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>