أخَذوها، أفنَأخُذُ من أَموالِهم بقَدرِ ما يَأخُذونَ؟ فقالَ: لا، أَدِّ الأَمانةَ إلى مَنْ ائتَمَنك، ولا تَخُنْ مَنْ خانَك»، وكذلك قَولُه في حَديثِ الزَّكاةِ:«أفنَكتُم من أَموالِنا بقَدرِ ما يأخُذونَ منا؟ فقالَ: لا».
الثانِي: أنَّه قالَ: «ولا تَخُنْ مَنْ خانَك»، ولو أَرادَ بالخِيانةِ الأخذَ على طَريقِ المُقابَلةِ لم يَكُنْ فَرقٌ بينَ مَنْ خانَه ومَن لم يَخُنْه، وتَحريمُ مِثلِ هذا ظاهِرٌ لا يَحتاجُ إلى بَيانٍ وسُؤالٍ، وقد قالَ:«ولا تَخُنْ مَنْ خانَك»، فعُلمَ أنَّه أَرادَ أنَّك لا تُقابِلُه على خيانَتِه فتَفعَلُ به مِثلَ ما فعَلَ بك، فإذا أودَعَ الرَّجلَ مالًا فخانَه في بعضِه ثم أودَعَ الأولُ نَظيرَه ففعَلَ به مِثلَ ما فعَلَ فهذا هو المُرادُ بقَولِه:«ولا تَخُنْ مَنْ خانَك».
الثالِثُ: أنَّ كَونَ هذا خِيانةً لا رَيبَ فيه، وإنَّما الشأنُ في جَوازِه على وَجهِ القِصاصِ؛ فإنَّ الأُمورَ منها ما يُباحُ فيه القِصاصُ كالقتل وقطعِ الطريق وأخذ المال، ومنها ما لا يُباحُ فيه القِصاصُ كالفَواحشِ والكَذبِ ونَحوِ ذلك، قالَ تَعالى في الأولِ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، وقالَ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقالَ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]، فأَباحَ العُقوبةَ والاعتِداءَ بالمِثلِ، فلمَّا قالَ ههنا:«ولا تَخُنْ مَنْ خانَك» عُلمَ أنَّ هذا ممَّا لا يُباحُ فيه العُقوبةُ بالمِثلِ (١).