والثانِي: ألَّا يَكونَ سَببُ الاستِحقاقِ ظاهِرًا، مِثلَ أنْ يَكونَ قد جحَدَ دَينَه أو جحَدَ الغَصبَ ولا بَيِّنةَ للمُدَّعي، فهذا فيه قَولانِ: أَحدُهما: ليس له أنْ يأخُذَ، وهو مَذهبُ مالِكٍ وأَحمدَ.
والثانِي: له أنْ يأخُذَ، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ، وأمَّا أَبو حَنيفةَ ﵀ تَعالى فيُسوِّغُ الأخْذَ من جِنسِ الحَقِّ؛ لأنَّه استِيفاءٌ، ولا يَسوغُ الأخْذُ من غيرِ الجِنسِ؛ لأنَّه مُعاوَضةٌ، فلا يَجوزُ إلا برِضا الغَريمِ.
والمُجوِّزونَ يَقولونَ: إذا امتنَعَ من أَداءِ الواجِبِ عليه ثبَتَت المُعاوَضةُ بدونِ إِذنِه للحاجةِ، لكنْ مَنْ منَعَ الأخْذَ مع عَدمِ ظُهورِ الحَقِّ استدَلَّ بما في السُّننِ عن أَبي هُرَيرةَ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ:«أَدِّ الأَمانةَ إلى مَنْ ائتَمَنك ولا تَخُنْ مَنْ خانَك».
وفي المُسندِ عن بَشيرِ بنِ الخَصاصيةِ أنَّه قالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لنا جِيرانًا لا يَدَعون لنا شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا أخَذوها، فإذا قدِرْنا لهم على شَيءٍ أنأخُذُه؟ قالَ:«لا، أَدِّ الأَمانةَ إلى مَنْ ائتَمَنك ولا تَخُنْ مَنْ خانَك».
وفي السُّننِ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قيلَ له: إنَّ أهلَ الصَّدقةِ يَعتَدونَ علينا، أفنَكتُمُ من أَموالِنا بقَدرِ ما يَعتَدونَ علينا؟ قالَ:«لا»، رَواه أَبو داودَ وغيرُه، فهذه الأَحاديثُ تُبيِّنُ أنَّ حَقَّ المَظلومِ في الأمرِ نَفسِه إذا كانَ سَببُه ليس ظاهِرًا وأخَذَه خِيانةً لم يَكُنْ له ذلك، وإنْ كانَ هو يَقصِدُ أخْذَ نَظيرِ حَقِّه، لكنَّه خانَ الذي ائتَمَنه، فإنَّه لمَّا سلَّمَ إليه مالَه فأخَذَ بعضَه بغيرِ إِذنِه والاستِحقاقُ ليس ظاهِرًا كانَ خائِنًا، وإذا قالَ: أنا مُستحِقٌّ لمَا أخَذتُه في