للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ: إذا غصَبَ طَعامًا فأطعَمَه غيرَه فللمالِكِ تَضمينُ أيِّهما شاءَ؛ لأنَّ الغاصِبَ حالَ بينَه وبينَ مالِه، والآكِلُ أتلَفَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذنِه، وقبَضَه عن يَدِ ضامِنِه بغيرِ إِذنِ مالِكِه، فإنْ كانَ الآكِلُ عالِمًا بالغَصبِ استقَرَّ الضَّمانُ عليه؛ لكَونِه أتلَفَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذنٍ عالِمًا من غيرِ تَغريرٍ، فإذا ضمَّنَ الغاصِبَ رجَعَ عليه.

وإنْ ضمَّنَ الآكِلَ لم يَرجِعْ على أحدٍ، وإنْ لم يَعلَمِ الآكِلُ بالغَصبِ نظَرنا، فإنْ كانَ الغاصِبُ قالَ له: «كُلْه فإنَّه طَعامي»، استقَرَّ الضَّمانُ عليه؛ لاعتِرافِه بأنَّ الضَّمانَ باقٍ عليه، وأنَّه لا يَلزمُ الآكِلَ شَيءٌ، وإنْ لم يَقُلْ ذلك ففيه رِوايتانِ:

إِحداهما: يَستقِرُّ الضَّمانُ على الآكِلِ، وبه قالَ أَبو حَنيفةَ والشافِعيُّ في الجَديدِ؛ لأنَّه ضمِنَ ما أتلَفَ فلم يَرجِعْ به على أحَدٍ.

والثانيةُ: يَستقِرُّ الضَّمانُ على الغاصِبِ لأنَّه غَرَّ الآكِلَ وأطعَمَه على أنَّه لا يَضمَنُه، وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرقيِّ، وأيُّهما استقَرَّ عليه الضَّمانُ فغرِمَه لم يَرجِعْ على أحدٍ، فإنْ غَرمَه صاحِبُه رجَعَ عليه.

وإنْ أطعَمَ المَغصوبَ لمالِكِه فأكَلَه عالِمًا بأنَّه طَعامُه بَرئَ الغاصِبُ، وإنْ لم يَعلَمْ، وقالَ له الغاصِبُ: «كُلْه فإنَّه طَعامي»، استقَرَّ الضَّمانُ على الغاصِبِ.

وإنْ كانَت له بيِّنةٌ بأنَّه طَعامُ المَغصوبِ منه، وإنْ لم يَقُلْ ذلك بل قدَّمَه إليه وقالَ: «كُلْه»، أو قالَ: «قد وهَبتُك إياه»، أو سكَتَ، فظاهِرُ كَلامِ أَحمدَ أنَّه لا يَبرأُ؛ لأنَّه قالَ في رِوايةِ الأثرَمِ في رَجلٍ له قِبَلَ رَجلٍ تَبِعةٌ فأوصَلَها إليه على سَبيلِ صَدقةٍ أو هَديةٍ فلم يَعلَمْ، فقالَ: كيف هذا؟ هذا يَرى أنَّه هَديةٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>