يَقولُ له:«هذا لك عِندي»، وهذا يَدلُّ على أنَّه لا يَبرأُ ههنا بأكلِ المالِكِ طَعامَه بطَريقِ الأَوْلى؛ لأنَّه ثَمَّ رَدَّ إليه يَدَه وسُلطانَه، وههنا بالتَّقديمِ إليه لم تَعُدْ إليه اليَدُ والسُّلطانُ، فإنَّه لا يَتمكَّنُ من التَّصرفِ فيه بكلِّ ما يُريدُ من أخذِه وبَيعِه والصَّدقةِ به، فلم يَبْرَأِ الغاصِبُ كما لو علَفَه لدوابِّه، ويَتخرَّجُ أنْ يَبرأَ بِناءً على ما مَضى إذا أطعَمَه لغيرِ مالِكِه، فإنَّه يَستقِرُّ الضَّمانُ على الآكِلِ في إحدى الرِّوايتَينِ فيَبرأُ ههنا بطَريقِ الأَولى.
قالَ ابنُ قُدامةَ: وإنْ وهَبَ المَغصوبَ لمالِكِه أو أَهداه إليه فالصَّحيحُ أنَّه يَبرأُ؛ لأنَّه قد سلَّمَه إليه تَسليمًا صَحيحًا تامًّا وزالَت يَدُ الغاصِبِ، وكَلامُ أَحمدَ في رِوايةِ الأثرَمِ وارِدٌ فيما إذا أَعطاه عِوضَ حَقِّه على سَبيلِ الهَديةِ فأخَذَه المالِكُ على هذا الوَجهِ، لا على سَبيلِ العِوضِ فلم تَثبُتِ المُعاوَضةُ، ومَسألتُنا فيما إذا رَدَّ إليه عَينَ مالِه وأعادَ يَدَه التي أزالَها، وإنْ باعَه إياه وسلَّمَه إليه بَرئَ من الضَّمانِ؛ لأنَّه قبَضَه بالابتِياعِ، والابتِياعُ يُوجبُ الضَّمانَ، وإنْ أقرَضَه إياه بَرئَ أيضًا لذلك، وإنْ أعارَه إياه بَرئَ أيضًا؛ لأنَّ العاريةَ تُوجِبُ الضَّمانَ، وإنْ أودَعَه إياه أو آجَرَه إياه أو رهَنَه أو أسلَمَه عندَه ليُقصِّرَه أو يُعلِّمَه لم يَبْرَأْ من الضَّمانِ، إلا أنْ يَكونَ عالِمًا بالحالِ؛ لأنَّه لم يَعُدْ إليه سُلطانُه، إنَّما قبَضَه على أنَّه أَمانةٌ، وقالَ بعضُ أَصحابِنا: يَبرأُ لأنَّه عادَ إلى يَدِه وسُلطانِه، وهذا أحدُ الوَجهَينِ لأَصحابِ الشافِعيِّ، والأولُ أَولى، فإنَّه لو أباحَه إياه فأكَلَه لم يَبْرَأْ فههنا أَولى (١).
(١) «المغني» (٥/ ١٥٨، ١٥٩، ١٦٩، ١٧٠)، و «الكافي» (٢/ ٤٠٦، ٤٠٨)، و «المبدع» (٥/ ١٧٨)، و «الإنصاف» (٦/ ١٧٠)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٢٧).