والوَجهُ الثانِي: أنَّه يَصحُ إِسلامُه، حتى يُفرقَ بينَه وبينَ زَوجتِه الكافرَةِ، ويُورَّثُ مِنْ قَريبِه المُسلِمِ، وهو اختِيارُ الإِصطخرِيِّ.
قالُوا: وعلى هذا لو ارتدَّ صحَّت رِدتُه، ولكن لا يُقتلُ حتى يَبلغَ، فإنْ رجَعَ إلى الإِسلامِ وإلا قُتلَ، وأما على مَنصوصِ الشافِعيِّ فقد يُقالُ: يُحالُ بينَه وبينَ أَبويه وأَهلِه الكُفارِ لئلا يَفتِنوه، فإنْ بلَغَ ووصَفَ الكُفرَ هُدِّدَ وطُولبَ بالإِسلامِ، فإنْ أصَرَّ رُدَّ إليهم، وهل هذه الحَيلولةُ مُستحبَّةٌ أو واجِبةٌ؟ فيه وَجهانِ، أَصحُّهما أنَّها مُستحبَّةٌ، فيُتلطَّفُ بوالِدَيه ليُؤخذَ منهما، فإنْ أبَيا فلا حَيلولةَ.
هذا في أَحكامِ الدُّنيا، فأما ما يَتعلقُ بالآخرَةِ فقالَ الأُستاذُ أَبو إِسحاقَ: إذا أضمَرَ كما أظهَرَ كانَ مِنْ الفائِزينَ بالجَنةِ، ويُعبَّرُ عن هذا بصِحةِ إِسلامِه باطِنًا لا ظاهِرًا.
قالَ في «النِّهاية»: وفي هذا إِشكالٌ؛ لأنَّ مَنْ حُكمَ له بالفَوزِ لإِسلامِه كيفَ لا نَحكمُ بإِسلامِه؟ وأُجيبَ عنه بأنَّه قد نَحكمُ له بالفَوزِ في الآخِرةِ وإنْ لمْ تَجرِ عليه أَحكامُ الإِسلامِ في الدُّنيا كمَن لمْ تَبلغْه الدَّعوةُ.
والذين قالوا لا يَصحُّ إِسلامُه احتَجُّوا بقَولِ ﷺ:«رُفعَ القَلمُ عن ثَلاثةٍ: عن الصَّبيِّ حتى يَبلغَ، وعن المَجنونِ حتى يُفيقَ، وعن النائِمِ حتى يَستيقظَ»، وهو حَديثٌ حَسنٌ، قالوا: ولأنَّه قَولٌ تَثبتُ به الأَحكامُ في حَقِّه فلمْ يَصحَّ منه كالهِبةِ والبَيعِ والعِتقِ والإِقرارِ، قالوا: ولأنَّه غيرُ مُكلَّفٍ فلمْ يَصحَّ إِسلامُه كالمَجنونِ والنائِمِ.