وقالَ الحَنابِلةُ: إذا عرَّفَ اللُّقطةَ حَولًا فلَم تُعرَفْ ملَكَها مُلتقِطُها، وصارَت مِنْ مالِه كسائِرِ أَموالِه، غنيًّا كانَ المُلتقِطُ أو فَقيرًا؛ لقَولِ النَّبيِّ ﷺ في حَديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ:«فإنْ لَم تَعرفْ فاستَنفِقْها»، وفي لَفظٍ:«وإلا فهي كسَبيلِ مالِكٍ»، وفي لَفظٍ:«ثُم كُلْها»، وفي لَفظٍ:«فانتَفِعْ بها»، وفي لَفظٍ:«فشَأنَك بها»، وفي حَديثِ أُبيِّ بنِ كَعبٍ:«فاستَنفِقْها»، وفي لَفظٍ:«فاستمتِعْ بها»، وهو حَديثٌ صَحيحٌ، ولأنَّ مَنْ ملَكَ بالفَرضِ ملَكَ باللُّقطةِ كالفَقيرِ، ومَن جازَ له الالتِقاطُ ملَكَ به بعدَ التَّعريفِ كالفَقيرِ.
وتَدخلُ اللُّقطةُ في مِلكِه عندَ تَمامِ التَّعريفِ حُكمًا كالمِيراثِ؛ لقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«فإذا جاءَ صاحِبُها وإلا فهي كسَبيلِ مالِكٍ» وقَولُه: «فاستَنفِقْها»، ولو وُقِفَ مِلكُها على تملُّكِها لبيَّنَه له، ولَم يُجوِّزْ له التَّصرفَ قبلَه، وفي لَفظٍ:«فهي لك» وفي لَفظٍ: «كُلْها»، وهذه الأَلفاظُ كلُّها تَدلُّ على هذا، ولأنَّ الالتِقاطَ والتَّعريفَ سَببٌ للتَّمليكِ، فإذا تمَّ وجَبَ أنْ يُثبتَ به الملكُ حُكمًا كالإِحياءِ والاصطِيادِ، ولأنَّه سَببٌ يَملكُ به فلَم يَقفْ المِلكُ بعدَه على قَولِه ولا اختِيارِه كسائِرِ الأَسبابِ، وذلك لأنَّ المكلَّفَ ليسَ إليه
= ببدلِها، فإن كانَت ذاتَ مثلٍ رجَعَ بمثلِها، وإن كانَت غيرَ ذاتِ مثلٍ رجَعَ بقِيمتِها حينَ تمَلكَها؛ لأنه إذ ذاك صارَ ضامنا لها، فإن اختَلفا في القِيمةِ فالقولُ قولُ مُتملِّكِها؛ لأنه غارمٌ، فلو كانَت عندَ مجيءٍ صاحبِها باقيةً بعينِها لكن قد حدَثَ فيها نَماءٌ مُنفصلٌ رجَعَ بالأصلِ دونَ النماءِ؛ لحدوثِ النَّماءِ على ملكِ الواجدِ، فلو عرَفَ الواجدُ صاحبَها وجَبَ عليه إِعلامُه بها ثَمَّ … «الحاوي الكبير» (٨/ ١٤، ١٥).