عندَ إِصابةِ العَلامةِ؛ لقَولِه ﵊:«فإنْ جاءَ صاحِبُها وعرَّفَ عِفاصَها وعَددَها فادفَعْها إليه»، وهذا للإِباحةِ؛ عَملًا بالمَشهورِ وهو قَولُه ﵊:«البَينةُ على المُدعِي … » الحَديثُ.
فإنْ أَعطى عَلامتَها حَلَّ للمُلتقِطِ أنْ يدفَعَها إليه، ولا يُجبَرُ على ذلك في القَضاءِ، ويأَخذُ مِنه كَفيلًا إذا كانَ يَدفعُه إليه استِيثاقًا، وهذا بلا خِلافٍ؛ لأنَّه يَأخذُ الكَفيلَ لنَفسِه.
وإذا صدَّقَه قيلَ لا يُجبَرُ على الدَّفعِ كالوَكيلِ بقَبضِ الوَديعةِ إذا صدَّقَه.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: إذا جاءَ صاحِبُها وأَقامَ البَينةَ أنَّها مِلكُه أخَذَها؛ لقَولِه ﷺ:«مَنْ وجَدَ عَينَ مالِه فهو أَحقُّ به».
وإنْ لمْ يُقمِ البَينةَ ولكنَّه ذكَرَ العَلامةَ، بأنْ وصَفَ عِفاصَها ووِكاءَها ووَزنَها وعَددَها لَم يَجبْ الدَّفعُ إليه لأنَّه مُدَّعٍ، فلا يُصدَّقُ بغيرِ بَينةٍ، إلا أنَّه يَحلُّ للمُلتقِطِ أنْ يَدفعَ إليه، وإنْ شاءَ أخَذَ مِنه كَفيلًا؛ لأنَّ الدَّفعَ بالعَلامةِ مما قد ورَدَ به الشَّرعُ في الجُملةِ كما في اللَّقيطِ، إلا أنَّه هناك يُجبَرُ على الدَّفعِ وهنا لا يُجبَرُ؛ لأنَّه هناك يُجبَرُ على الدَّفعِ بمُجردِ الدَّعوَى فمعَ العَلامةِ أَولَى، وهنا لا عِبرةَ بمُجردِ الدَّعوَى بالإِجماعِ، فجازَ أنْ يُجبَرَ على الدَّفعِ معَ العَلامةِ، ولكنْ يَحلُّ له الدَّفعُ وله أنْ يَأخذَ كَفيلًا لجَوازِ مَجيءِ آخرَ فيَدَّعيَها ويُقيمُ البَينةَ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٩٦)، و «العناية» (٨/ ٢١٤).