للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا فهي لك» (١). يَعني إذا ذكَرَ صِفاتَها؛ لأنَّ ذلك هو المَذكورُ في صَدرِ الحَديثِ، ولَم يَذكرْ البَينةَ في شيءٍ مِنْ الحَديثِ، ولو كانَت شَرطًا للدَّفعِ لَم يَجزْ الإِخلالُ به، ولا أمَرَ بالدَّفعِ بدونِه، ولأنَّ إِقامةَ البَينةِ على اللُّقطةِ تَتعذرُ؛ لأنَّها إنَّما سقَطَت حالَ الغَفلةِ والسَّهوِ فتَوقيفُ دَفعِها مَنعٌ لوُصولِها إلى صاحِبِها أَبدًا، وهذا يُفوتُ مَقصودَ الالتِقاطِ ويُفضي إلى تَضييعِ أَموالِ النَّاسِ، وما هذا سَبيلُه يُسقطُ اعتِبارَ البَينةِ فيه كالإِنفاقِ على اليَتيمِ.

وقَولُ النَّبيِّ : «البَينةُ على المُدعِي» يَعني إذا كانَ ثَم مُنكِرٌ؛ لقَولِه في سِياقِه: «واليَمينُ على مَنْ أَنكرَ» ولا مُنكِرَ ها هنا، على أنَّ البَينةَ تَختلفُ، وقد جعَلَ النَّبيُّ بَينةَ مُدعي اللُّقطةِ وَصفَها، فإذا وصَفَها فقد أَقامَ بَينتَه، وقِياسُ اللُّقطةِ على المَغصوبِ غيرُ صَحيحٍ، فإنَّ النِّزاعَ ثَم في كَونِه مَغصوبًا والأَصلُ عَدمُه، وقَولُ المُنكِرِ يُعارضُ دَعواه، فاحتِيجَ إلى البَينةِ، وها هنا قد ثبَتَ كَونُ هذا المالُ لُقطةً وأنَّ له صاحِبًا غيرَ مَنْ هو في يدِه، ولا مُدعيَ له إلا الواصِفُ، وقد ترجَّحَ صِدقُه فيَنبَغي أنْ يُدفعَ إليه (٢).

وقالَ الحَنفيةُ: إذا حضَرَ رَجلٌ فادَّعى اللُّقطةَ لَم تُدفعْ إليه حتى يُقيمَ البَينةَ؛ لأنَّه مُدَّعٍ فلا يُصدَّقُ بغيرِ بَينةٍ، ولأنَّ اليدَ حقٌّ مَقصودٌ كالمُلكِ فلا يُستحقُّ إلا بحُجةٍ، وهو البَينةُ اعتِبارًا بالمُلكِ، إلا أنَّه يَحلُّ له الدَّفعُ


(١) أخرجه مسلم (١٧٢٢).
(٢) «المغني» (٦/ ١٢، ١٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>