للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي حَنيفةَ رِواياتٌ:

أحَدُها: كمَذهبِنا، وهي غَريبةٌ.

والثانية: وهي رِوايةُ زُفَرَ عنه، يجبُ إذا بَقيَ مِنْ الوقتِ ما يَسَعُ صَلاةَ الوقتِ.

والثَّالثةُ: وهي المَشهورةُ عنه، وحَكاها عنه جُمهورُ أصحابِنا أنَّها تَجِبُ بآخرِ الوقتِ، إذا بَقيَ منه قَدرُ تَكبيرةٍ، فلو صلَّى في أوَّلِ الوقتِ، قالَ أكثرُ أصحابِ أبي حَنيفَةَ: تَقَعُ صَلاتُه مَوقُوفَةً، فإن بَقيَ إلى آخرِ الوقتِ مُكلَفًا، تبيَّنَّا وُقوعَها فَرضًا، وإلا كانَت نَفلًا، وقالَ الكَرخِيُّ منهم: تَقَعُ نَفلًا، فإن بَقيَ إلى آخرِ الوقتِ مُكلَفًا منعَ ذلك النَّفلُ وُجوبَ الفَرضِ عليه.

واحتُجَّ لِأبي حَنيفَةَ في كَونِها لا تَجِبُ بأوَّلِ الوقتَ بأنَّها لو وَجَبت لم يَجُز تَأخيرُها، كصَومِ رَمضانَ، ولأنَّ وقتَ الصَّلاةِ كحَولِ الزَّكاةِ؛ فإنَّه يَجوزُ فِعلُها في أوَّلِه وآخرِه، كالصَّلاةِ، ثم الزَّكاةُ تَجِبُ بآخرِه، فكَذا الصَّلاةُ، ولأنَّ مَنْ دخلَ وقتُ الصَّلاةِ وهو حاضِرٌ ومَضَى ما يُمكِنُ فيه الصَّلاةُ، ثم سافَر فله قَصرُ هذه الصَّلاةِ، فلو وَجَبت بأوَّلِ الوقتِ لم يَجُز قَصرُها، كما لو سافَر بعدَ الوقتِ، ولأنَّه مُخيَّرٌ بينَ فِعلِها في أوَّلِ الوقتِ وتَركِها، فإذا فعلَها كانَت نَفلًا.

واحتَجَّ أصحابُنا بقولِه تَعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، والدُلوكُ: الزَّوالُ. وهذا أمرٌ، وهو يَقتَضي الوُجوبَ، وعن أبي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «كَيفَ أنتَ إذا بَقِيتَ في

<<  <  ج: ص:  >  >>