فإنْ وهَبَ الدَّينَ لغَيرِ مَنْ هو في ذِمَّتِه لم يَصحَّ على الصَّحيحِ من المَذهبِ؛ لأنَّه غيرُ مَقدورٍ على تَسليمِه قِياسًا على البَيعِ، ولأنَّ الهِبةَ تَقتَضي وُجودَ مُعيَّنٍ وهو مُنتَفٍ هنا، إلا لضامِنِه؛ فإنَّها تَصحُّ لتَعلُّقِه في ذِمَّتِه.
ويَحتملُ أنْ يَصحَّ؛ لأنَّه لا غَررَ فيها على المُتَّهبِ ولا الواهِبِ، فصَحَّ كهِبةِ الأَعيانِ.
ولا تَصحُّ هِبةُ ما لا يُقدَرُ على تَسليمِه كمَغصوبٍ لغيرِ غاصِبِه، أو قادِرٍ على أخذِه منه كبَيعِه، وكذا آبِقٌ وشارِدٌ وطَيرٌ في الهَواءِ وسَمكٌ بماءٍ ومَرهونٌ؛ لأنَّ ذلك لا يَتأهَّلُ للقَبضِ، والقَبضُ من ماهيةِ العَقدِ فلا يَقعُ العَقدُ عليه، والمَرهونُ يَتعذَّرُ تَسليمُه شَرعًا (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنْ وهَبَه شَيئًا في يَدِ المُتَّهبِ كوَديعةٍ أو مَغصوبٍ فظاهِرُ كَلامِ أحمدَ أنَّ الهِبةَ تَلزمُ من غيرِ قَبضٍ ولا مُضيِّ مُدةٍ يَتأتَّى القَبضُ فيها؛ فإنَّه قالَ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ: إذا وهَبَ لامرأتِه شَيئًا ولم تَقبِضْه فليسَ بينَه وبينَها خيارٌ، هي معه في البَيتِ. فظاهِرُ هذا أنَّه لم يُعتبَرْ قَبضًا ولا مُضيَّ مُدةٍ يَتأتَّى القَبضُ فيها لكَونِها معه في البَيتِ فيَدُها على ما فيه.
(١) «الشرح الكبير» (٦/ ٢٥٥، ٢٥٦)، و «المبدع» (٥/ ٣٦٥)، و «الإنصاف» (٧/ ١٢٧، ١٢٩)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٦٣، ٣٦٧، ٣٧٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٩٩، ٤٠٢)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٣٩٦)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٥٦).