أحَدُهما: يَفتقِرُ إلى ذلك؛ لأنَّ هذا شَرطٌ في لُزومِ الهِبةِ في العَينِ، فكذلك في الدَّينِ.
والثاني: لا يَفتقِرُ إلى ذلك، وهو الأصَحُّ، كالحَوالةِ لا يُعتبَرُ فيها القَبضُ.
وأمَّا الدَّينُ غيرُ المُستقِرِّ فلا يَصحُّ هِبتُه لغيرِ مَنْ هو عليه قَطعًا.
ولو وهَبَ لفَقيرٍ دَينًا عليه أو على غيرِه بنِيَّةِ الزَّكاةِ لم يَقعْ عنها؛ لأنَّ ذلك فيما عليه إبدالٌ، وهو لا يَجوزُ، وفيما على غيرِه تَمليكٌ، وهو لا يَجوزُ أيضًا، ولو قالَ:«تصَدَّقتُ بمالي عليكَ»، برِئَ (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: إنْ أبرَأَ الغَريمُ غَريمَه من دَينِه أو وهَبَه له أو أحَلَّه منه برِئَ وإنْ رَدَّ ذلك ولم يَقبلْ؛ لأنَّه إِسقاطٌ فلم يَفتقِرْ إلى القَبولِ كإِسقاطِ القِصاصِ والشُّفعةِ وحَدِّ القَذفِ، وكالعِتقِ والطَّلاقِ، وكذلك إنْ قالَ:«تصَدَّقتُ به عليكَ»؛ فإنَّ القُرآنَ ورَدَ في الإِبراءِ بلَفظِ الصَّدقةِ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: ٩٢]، وإنْ قالَ:«عفَوتُ لك عنه»، صَحَّ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، يُريدُ به الإِبراءَ من الصَّداقِ؛ فإنْ قالَ:
(١) «البيان» (٨/ ١٤٣، ١٤٤)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٣٣، ٣٤)، و (٧/ ٥٣٦)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٨٧، ١٨٨)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٥٠)، و «كنز الراغبين» (٣/ ٢٧٤)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٩٢)، و «تحفة المحتاج مع حاشية الرواني والعبادي» (٧/ ٥٧٥، ٥٧٦)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٧٣)، و «كفاية الأخيار» (٣٦٢)، و «الديباج» (٢/ ٥٤١).