للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن أحسَنِ ما احتَجُّوا به أنْ قالوا: مِلكُ المُعمِرِ المُعطِي ثابِتٌ بإِجماعٍ قبلَ أنْ يُحدِثَ العُمرَى، فلَمَّا أحدَثَها اختَلفَ العُلماءُ، فقالَ بَعضُهم: قد أَزالَ لَفظُه ذلك مِلكَه عن رَقبةِ ما أَعمَرَه، وقالَ بَعضُهم: لم يَزُلْ مِلكُه عن رَقبةِ مالِه بهذا اللَّفظِ، والواجِبُ بحَقِّ النَّظرِ ألَّا يَزولَ مِلكُه إلا بيَقينٍ، وهو الإِجماعُ؛ لأنَّ الاختِلافَ لا يَثبُتُ به يَقينٌ، وقد ثبَتَ أنَّ الأَعمالَ بالنِّياتِ، وهذا الرَّجلُ لم يَنوِ بلَفظِه ذلك إِخراجَ شَيءٍ عن مِلكِه، وقد اشتَرطَ فيه شَرطًا فهو على شَرطِه؛ لقَولِ رَسولِ اللهِ : «المُسلِمونَ على شُروطِهم» (١).

قالَ مالِكٌ : فإذا أعمَرَه حَياتَه وأسكَنَه حَياتَه فهو شَيءٌ واحِدٌ؛ فإنْ أرادَ المُعمَرُ أنْ يَكريَها؛ فإنَّه يَكريها قَليلًا قَليلًا، ولا يُبعدُ الكِراءَ، قالَ: وللمُعمَرِ أنْ يَبيعَ مَنافعَ الدارِ وسُكنَاه فيها من الذي أعمَرَه ولا يَبيعَها من غيرِه (٢).

وقالَ القَرافِيُّ : وقَضى بها طارِقٌ بالمَدينةِ، وقالَ إِبراهيمُ بنُ إِسحاقَ الحَربيُّ عن ابنِ الأَعرابيِّ: لم يَختلفِ العَربُ في العُمرَى والرُّقبَى والإِفقارِ والإِحمالِ والمِنحةِ والعَريةِ والعارِيةِ والسُّكنَى والإِطراقِ أنَّها على مِلكِ أَربابِها، ومَنافعُها لمَن جُعلَت له، والخَصمُ يَدَّعي أنَّ الشَّرعَ نقَلَها والأصلُ عَدمُ النَّقلِ؛ لأنَّ تَمليكَ الرِّقابِ متى اشتُرطَ فيه التَّأقيتُ فسَدَ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم.
(٢) «التمهيد» (٧/ ١١٣، ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>