للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالبَيعِ، وههنا لم يَفسُدْ، فيُصرفُ إلى المَنافعِ؛ لأنَّها لا يُفسدُها التَّأقيتُ، بل شُرطَ في بعضِ صُورِها، والخَصمُ يَدَّعي أنَّ الشَّرعَ أبطَلَ التأقيتَ تَصحيحًا للمِلكِ، ونحن نَدَّعي أنَّ الشَّرعَ اعتبَرَه، والإبطالُ على خِلافِ الدَّليلِ فيَكونُ مَذهبُنا أرجَحَ لُغةً وشَرعًا، ولأنَّ التَّبرُّعَ على خِلافِ الأَصلِ خالَفناه في المَنافعِ فيَبقى في الرِّقابِ على مُقتَضى الأَصلِ تَعليلًا للمُخالفةِ (١).

وقالَ القاضِي عبدُ الوَهابِ : العُمرَى عندَنا تَمليكُ المَنافعِ دونَ الرَّقبةِ، فإذا قالَ: «أعمَرتُك هذه الدارَ حَياتَك»، وقالَ: «لعَقِبِك» أو لم يَقلْ؛ فإنَّها تَكونُ له مُدةَ حَياتِه، فإذا ماتَ أو انقرَضَ عَقِبُه -إنْ ذكَرَ العَقِبَ- عادَت مِلكًا للمُعمِرِ أو لوَرثتِه إنْ كانَ قد ماتَ.

وقالَ أَبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: تَكونُ مِلكًا للمُعمَرِ؛ فإنْ ماتَ ولا وارِثَ له تَكونُ لبَيتِ المالِ.

ودَليلُنا: أنَّ تَمليكَ الرِّقابِ من حَقِّه أنْ يَقعَ مُطلقًا متى بدا غيرَ مُؤقَّتٍ بوَقتٍ يَزولُ بمَجيئِه، ألَا تَرى أنَّه لو قالَ: «بِعتُك هذا العَبدَ إلى مَجيءِ زَيدٍ، أو إلى رأسِ الشَّهرِ لم يَصحَّ، فإذا ثبَتَ ذلك وكانَ المالِكُ قد علَّقَ التَّمليكَ بعُمرِ المُعطَى، عُلمَ أنَّه لم يُرِدْ تَمليكَ الرَّقبةِ، فوجَبَ حَملُه على ما يَصحُّ وهو تَمليكُ المَنافعِ؛ لأنَّ التَّوقيتَ يَدخلُ فيها دونَ تَمليكِ الأعيانِ، ولأنَّ تَمليكَ الرِّقابِ لا يَصحُّ أنْ يَتوقَّتَ، أصلُه إذا كانَ بعِوضٍ، وهو البَيعُ وغَيرُه، ولأنَّه أجَلٌ عُلقَ التَّمليكُ بالانتِهاءِ إليه فلم يَثبُتْ به مِلكُ الرَّقبةِ كقُدومِ زَيدٍ،


(١) «الذخيرة» (٦/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>