للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: هذا كانَ إِباحةً لا هَديةً وتَمليكًا، فجَوابُه أنَّه لو كانَ إِباحةً لمَا تصَرَّفوا فيه تَصرُّفَ المُلَّاكِ، ومَعلومٌ أنَّ ما قبِلَه النَّبيُّ كانَ يَتصرَّفُ فيه ويَملِكُه غيرُه، ويُمكنُ أنْ يُحملَ كَلامُ من اعتبَرَ الإِيجابَ والقَبولَ على الأمرِ المُشعِرِ بالرِّضا دونَ اللَّفظِ، ويُقالُ: الإِشعارُ بالرِّضا قد يَكونُ لَفظًا وقد يَكونُ فِعلًا (١).

وقالَ المِرداويُّ : وذكَر القاضِي في «المُجرَّدِ» وأبو الخَطَّابِ وأبو الفَرجِ الشِّيرازيُّ أنَّ الهِبةَ والعَطيةَ لا بدَّ فيهما من الإِيجابِ والقَبولِ، ولا تَصحُّ بدونِه سَواءٌ وُجدَ القَبضُ أو لم يُوجَدْ، قالَه المُصنِّفُ وغيرُه.

قالَ في «الفائِقِ»: وهو ضَعيفٌ (٢).

وذهَبَ الحَنفيةُ في الاستِحسانِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ وبعضُ الشافِعيةِ كابنِ الصَّباغِ وغيرِه إلى أنَّ القَبولَ ليسَ رُكنًا من أَركانِ الهِبةِ ولا الهَديةِ ولا الصَّدقةِ (وهو قَولُ الشافِعيةِ في الصَّحيحِ في الهَديةِ والصَّدقةِ) بل يَكفي الفِعلُ الدالُّ على القَبولِ.

ووَجهُ الاستِحسانِ عندَ الحَنفيةِ أنَّ الهِبةَ في اللُّغةِ عِبارةٌ عن مُجردِ إِيجابِ المالِكِ من غيرِ شَريطةِ القَبولِ، وإنَّما القَبولُ والقَبضُ لثُبوتِ


(١) «روضة الطالبين» (٤/ ١٨٠، ١٨١)، و «البيان» (٨/ ١١٢، ١١٣)، و «الوسيط» (٥/ ٢٠٩)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٣٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٨٨)، و «كنز الراغبين» (٣/ ٢٧١، ٢٧٢)، و «تحفة المحتاج» (٧/ ٥٦٣)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٦٥)، و «الديباج» (٢/ ٥٣٨).
(٢) «الإنصاف» (٧/ ١١٩)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>