حُكمِها لا لوُجودِها في نَفسِها، فإذا أوجَبَ فقد أتَى بالهِبةِ فترتَّبَ عليها الأَحكامُ.
والدَّليلُ على أنَّ وُقوعَ التَّصرُّفِ هِبةٌ لا يَقفُ على القَبولِ ما رُويَ أنَّ الصَّعبَ بنَ جَثَّامةَ أهدَى إلى النَّبيِّ ﵊ حِمارَ وَحشٍ وهو بالأَبواءِ.
وفي رِوايةٍ بوَدَّانَ: فرَدَّه النَّبيُّ ﵊ وقالَ: «لَولا أنَّا حَرامٌ وإلا لقَبِلنا»، فقد أطلَقَ الراوِي اسمَ الإِهداءِ بدونِ القَبولِ، والإِهداءُ من أَلفاظِ الهِبةِ.
ورُويَ:«أنَّ سَيِّدَنا أَبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ ﵁ دَعا سَيِّدتَنا عائِشةَ ﵂ في مَرضِ مَوتِه فقالَ لها: إنِّي كُنْتُ نَحلتُك جِدادَ عِشرينَ وَسقًا من مالي بالعاليةِ، وإنَّكِ لم تَكوني قَبضتِيه ولا حرَزتِيه وإنَّما هو اليَومَ مالُ الوارِثِ» أطلَقَ الصِّدِّيقُ ﵁ اسمَ النِّحلةِ بدونِ القَبضِ، والنِّحلةُ من أَلفاظِ الهِبةِ، فثبَتَ أنَّ الهِبةَ في اللُّغةِ عِبارةٌ عن إِيجابِ المِلكِ نَفسِه.
والأصلُ أنَّ مَعنى التَّصرُّفِ الشَّرعيِّ هو ما دَلَّ عليه اللَّفظُ لُغةً بخِلافِ البَيعِ؛ فإنَّه اسمُ الإِيجابِ مع القَبولِ، فلا يُطلقُ اسمُ البَيعِ لُغةً وشَريعةً على أحدِهما دونَ الآخَرِ، فما لم يُوجَدا لا يَتَّسمُ التَّصرُّفُ بسِمةِ البَيعِ، ولأنَّ المَقصودَ من الهِبةِ هو اكتِسابُ المَدحِ والثَّناءِ بإظهارِ الجُودِ والسَّخاءِ، وهذا يَحصلُ بدونِ القَبولِ بخِلافِ البَيعِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١١٥)، و «الاختيار» (٣/ ٥٨)، و «الهداية» (٣/ ٢٢٤)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٩١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٩، ٦٠)، و «العناية» (١٢/ ٢٦٥)، و «اللباب» (١/ ٦٠١، ٦٠٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٣)، و «ابن عابدين» (٥/ ٦٨٨).