ونَحوُها يَأخذُها الوَجيهُ بوَجاهتِه ثمَّ يَدفعُ منها شيئًا قليلًا لمَن يَنوبُ عنه، فأرَى الذي أبقاهُ لنَفسِه حرامًا؛ لأنه اتَّخذَ عِبادةَ اللهِ مَتجَرًا ولم يُوَفِّ بقَصدِ صاحِبِها إذْ مُرادُه التَّوسِعةُ ليأتِيَ الأجيرُ بذلكَ مُنشرِحَ الصَّدرِ. اه
قالَ البَدرُ: وقَضيَّةُ هذا الكلامِ أنَّ المَعلومَ كلَّه مدَّةَ الاستِنابةِ يَستحقُّه النائِبُ وحدَه، وهو صَريحُ ما نقَلَه المَوَّاقُ عن ابنِ رُشدٍ، ونَصُّه: لا يَجوزُ بَيعُ أرزاقِ القُضاةِ والمُؤذِّنينَ مِنْ الطَّعامِ قبلَ قَبضِه؛ لأنها أُجرةٌ، خِلافَ قَولِ ابنِ حَبيبٍ: إنَّ ذلكَ ليس بإجارةٍ.
واختُلفَ في كَونِ الأحباسِ عليها إجارةً أو إعانةً، وفُهِمَ كَونُها إجارةً مِنْ قَولِ المُوثِّقينَ في استِئجارِ الناظِرِ، فلَعلَّه فيما حُبسَ ليُستأجَرَ مِنْ غلَّتِه، وأحباسُ زَمانِنا ليسَتْ كذلكَ، إنَّما هي عَطيَّةٌ لمَن قامَ بتلكَ المُؤنةِ. اه
قالَ ابنُ عَرفةَ: أحباسُ بَلدِنا قطُّ ما يُحبسُ الذي يَحبسُ إلا على مَنْ يَقومُ بتلكَ المُؤنةِ، لا ليَستأجِرَ مِنْ فائِدةِ الحَبسِ بما يُقدِّرُ ويَستَفضلُ منه، وعلى هذا يَكونُ الحُكمُ ما نَصَّ عليه القَرافِيُّ في الفرقِ الخامِسَ عشَرَ والمِائةِ، وتقدَّمَه بذلكَ عِزُّ الدِّينِ بنُ عَبدِ السَّلامِ: أنه لا يَجوزُ أنْ يَستَنيبَ ببَعضِ المُرتَّبِ ويُمسكَ باقِيه، والقائِمُ بالوَظيفةِ ليس بنائبٍ، وإنَّما هو مُستقِلٌّ يَجبُ له مِنْ الفائِدةِ ما يَخصُّ زمَنَ قِيامِه بالوَظيفةِ، وبذلكَ كانَ بعضُ شُيوخي المُفتينَ يُفتِي في ثَمرِ الأشجارِ التي لا تُؤتي ثمَرَها إلَّا مرَّةً في عامَينِ أنَّ ذلكَ الفائدَ يُوزَّعُ على العامَينِ معًا، ويَقسمُه القائِمونَ بالوَظيفةِ على حَسبِ أزمِنةِ قيامِهم. اه