وقالَ الشافِعيةُ: لا يَصحُّ وَقفُ الشَّخصِ على نَفسِه في الأَصَحِّ المَنصوصِ؛ لتَعذُّرِ تَمليكِ الإنسانِ مِلكَه لنَفسِه؛ لأنه حاصِلٌ، وتَحصيلُ الحاصِلِ مُحالٌ؛ لأنَّ الوَقفَ تَمليكٌ للرَّقبةِ والمَنفعةِ، فلا يَجوزُ أنْ يُملِّكَ نفسَه مِنْ نَفسِه كما لا يَجوزُ ذلكَ في البَيعِ والهبةِ، ولقَولِه ﷺ:«حَبِّسِ الأصلِ وسَبِّلِ الثمرةَ»، وبتَسبيلِ الثمرةِ يَمنعُ أنْ يَكونَ له فيها حقٌّ، ولأنَّ الوقفَ صَدقةٌ ولا تَصحُّ صَدقةُ الإنسانِ على نَفسِه، ولأنَّ الوَقفَ عقدٌ يَقتضِي زوالَ المِلكِ، فصارَ كالبيعِ والهبةِ، فلمَّا لم تَصحَّ مُبايَعةُ نَفسِه ولا الهبةُ بها لم يَصحَّ الوَقف عليها، ولأنَّ استِثناءَ مَنافعِ الوَقفِ لنَفسِه كاستِثنائِه في العِتقِ أحكامَ الرِّقِّ لنَفسِه، فلمَّا لم يَجزْ هذا في العِتقِ لم يَجزْ مثلُه في الوقفِ، ولأنَّ الوقفَ يُوجِبُ إزالةَ ملكٍ واستِحداثَ غيرِه، وهو إذا وقَفَ على نَفسِه لم يُزِلْ بالوقفِ مِلكًا ولا استَحدثَ به مِلكًا، فلم يَجزْ أنْ يَصيرَ وَقفًا.
إلا أنه إذا حكَمَ به حاكِمٌ يَرى صِحتَه نفَذَ ولم يُنقَضْ؛ لأنها مَسألةٌ اجتِهاديةٌ.
ويُستثنَى مِنْ عَدمِ صِحةِ الوَقفِ على النَّفسِ ما لو وقَفَ على العُلماءِ ونحوِهم كالفُقراءِ واتَّصفَ بصِفتِهم، أو على الفُقراءِ ثم افتَقرَ، أو على المُسلمينَ كأنْ وقَفَ كِتابًا للقِراءةِ ونحوِها أو قِدرًا للطَّبخِ فيهِ أو كِيزانًا للشُّربِ بها ونحوَ ذلكَ، فله الانتفاعُ معهم؛ لأنهُ لم يَقصدْ نفسَه.