قُلتُ: ولمَ قُلتَ ذلكَ؟ قالَ: لأنه لمَّا قالَ: «مَوقوفةٌ شَهرًا» فلمْ يَشترطْ بعد الشَّهرِ فيها شَيئًا، فلمَّا لم يَشترطْ ذلكَ كانَتْ مَوقوفةً أبَدًا، وهذا بمَنزلةِ قَولِه:«صَدقةٌ مَوقوفةٌ على فُلانٍ» ولمْ يَزِدْ على ذلكَ، وإذا ماتَ فُلانٌ كانَتْ للمَساكينِ وهي مَوقوفة أبَدًا، وأمَّا إذا قالَ:«صَدقةٌ مَوقوفةٌ شَهرًا، فإذا مَضى ذلكَ الشَّهرُ كانَتْ مُطلَقةً» فالوَقفُ باطِلٌ لا يَجوزُ؛ لأنه شرَطَ الرَّجعةَ فيهِ ولم يَشترطْ في البابِ الأوَّلِ رَجعةً بعدَ مُضيِّ الوَقتِ، فإذا لم يَشترطِ الرَّجعةَ فيهِ فكأنهُ قالَ:«صَدقةٌ مَوقوفةٌ» وسكَتَ (١).
وقالَ في «الإسْعَاف»: والثالثُ: ذِكرُ التأبيدِ أو ما يَقومُ مَقامَه كالصَّدقةِ ونَحوِها شَرطٌ عندَ مُحمدٍ ﵀، وليسَ بشَرطٍ عندَ أبي يُوسفَ ﵀، فلو قالَ:«وَقَفتُ أَرضِي هذهِ، أو قالَ: جَعلْتُها مَوقوفةً» ولمْ يَزِدْ عليه جازَ عندَه وصارَتْ وَقفًا على الفُقراءِ، وبه أَفتَى مَشايخُ بَلْخٍ وعليه الفتوَى؛ لأنَّ قَولَه:«وَقَفتُ» يَقتضي إزالتَه إلى اللهِ تعالى ثُمَّ إلى نائِبِه وهو الفَقيرُ، وذا يَقتضي التَّأبيدَ، فلا حاجةَ إلى ذِكرِه كالإعتاقِ، وعندَ مُحمدٍ لا يَجوزُ؛ لأنَّ مُوجَبَه زَوالُ المِلكِ بدُونِ التَّمليكِ، وذلكَ بالتَّأبيدِ كالعتقِ، وإذا لم يَتأبَّدْ لم يَتوفَّرْ عليهِ مُوجبِه، ولهذا يُبطِلُه التَّأقيتُ كما يُبطلُ البَيعَ.
ولو قالَ:«وَقَفتُ أَرضِي هذه على عِمارةِ المَسجدِ الفُلانِيِّ» يَجوزُ عندهُ؛ لأنه لو لم يَزِدْ على قَولِه:«وَقَفتُ» يَجوزُ عندَه، فبالأَوْلى إذا عيَّنَ جِهةً، ولا يَجوزُ عند مُحمدٍ؛ لاحتِمالِ خَرابِ ما حَوْلَه، فلا يَكونُ مُؤبَّدًا،