للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي بَكرٍ الأعمَشِ: يَنبغِي أنْ يَجوزَ على الاتِّفاقِ؛ لأنَّ الوَقفَ على عِمارةِ المَسجدِ بمَنزلةِ جَعلِ الأرضِ مَسجدًا أو بمَنزلةِ زيادةٍ في المَسجدِ، قالَ الفَقيهُ أبو جَعفرٍ: هذا القَولُ أصَحُّ إليَّ، وقالَ أبو بَكرٍ الإسكافُ: يَنبغي ألَّا يَصِحَّ هذا عندَ الكُلِّ؛ لأنَّ الوَقفَ على المَسجدِ وَقفٌ على عِمارتِه، والمَسجدُ يَكونُ مَسجدًا بدُونِ البِناءِ، فلا تَكونُ عِمارةُ البِناءِ ممَّا يَتأبَّدُ، فلا يَصِحُّ الوَقفُ، والأولُ أوجَهُ.

ولو قالَ: «وَقَفتُ أَرضِي هذهِ على ولَدِي وولَدِ وَلَدي ونَسلِهم أبدًا» يَصحُّ عند أبي يُوسفَ، فإذا انقَرَضُوا تَكونُ الغلَّةُ للفُقراءِ، ولا يَصحُّ عند مُحمدٍ؛ لاحتِمالِ الانقِطاعِ.

ولو قالَ: «وَقَفتُ أرضي هذه على وَلَدِ زَيدٍ» أو ذكَرَ جَماعةً بأعيانِهم لم يَصحَّ عندَ أبي يُوسفَ أيضًا؛ لأنَّ تَعيينَ المَوقوفِ عليه يَمنعُ إرادةَ غَيرِه، بخِلافِ ما إذا لم يُعيِّنْ؛ لجَعلِه إيَّاه وَقفًا على الفُقراءِ، ألَا تَرَى الفرقَ بينَ قَولِه: «أرضي هذه مَوقوفةٌ» وبينَ قولِه: «مَوقوفةٌ على وَلَدي»، فصحَّحَ الأولَ دونَ الثَّاني؛ لأنَّ مُطلَقَ قَولِه: «مَوقوفةٌ» يَنصرفُ إلى الفُقراءِ عُرفًا، فإذا ذكَرَ الولدَ صارَ مُقيَّدًا، فلا يَبقى العُرفُ، فظهَرَ بهذا أنَّ الخِلافُ بينَهُما في اشتِراطِ ذِكرِ التَّأبيدِ وعَدمِه إنَّما هو في التَّنصيصِ عليه أو على ما يَقومُ مَقامَه كالفُقراءِ ونحوِهم، وأمَّا التأبيدُ مَعنًى فشَرطٌ اتِّفاقًا على الصَّحيحِ، وقد نَصَّ عليهِ مُحقِّقُو المَشايخِ (١).


(١) «الإسعاف» (١٦، ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>