وقالَ المالِكيةُ: يَصحُّ الوَقفُ بقولِه: «حَبَّستُ، ووقَفْتُ» أو ما يَقومُ مَقامَهما، كالتَّخليةِ بينَ مَسجدٍ وبينَ الناسِ، وإنْ لم يَخُصَّ قَومًا دونَ قَومٍ، ولا فَرضًا دونَ نَفلٍ، فإذا بَنى مَسجدًا وأَذِنَ فيه للناسِ فذلكَ كالتَّصريحِ بأنه وَقفٌ وإنْ لم يَخُصَّ زَمانًا ولا قَومًا ولا قيَّدَ الصلاةَ بكَونِها فَرضًا أو نَفلًا، فلا يَحتاجُ لشَيءٍ مِنْ ذلكَ، وَيُحكَمُ بوَقفيَّتِه (١).
وقالَ الحَنابلةُ: يَصحُّ الوَقفُ بقَولٍ وبفِعلِ شيءٍ دالٍّ على الوَقفِ عُرفًا كالقَولِ؛ لاشتِراكِهما في الدَّلالةِ عليه، وذلكَ مثلَ أنْ يَجعلَ أرضَه مَقبرةً ويَأذنَ في الدَّفنِ فيها إذنًا عامًّا؛ لأنَّ الإذنَ الخاصَّ قد يَقعُ على غيرِ المَوقوفِ، فلا يُفيدُ دَلالةَ الوَقفِ، أو يَبنيَ بُنيانًا على هَيئةِ مَسجدٍ ويَأذنَ للناسِ في الصلاةِ فيه إذنًا عامًّا ولو بفَتحِ الأبوابِ أو التَّأذينِ أو كِتابةِ لَوحٍ بالإذنِ أو الوَقفِ، أو أذَّنَ أو أقامَ فيما بَناهُ على هَيئةِ المَسجدِ بنَفسِه أو بمَن نصَبَه لذلكَ؛ لأنَّ الأذانَ والإقامةَ فيهِ كالإذنِ العامِّ في الصلاةِ فيهِ، قالَ الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ: ولو نَوَى خِلافَه -أي أنَّ نِيتَه خِلافُ ما دلَّ عليه الفِعلُ- لا أثَرَ لها.
وكذا لو أدخَلَ بَيتًا في المَسجدِ وأذَّنَ فيه، أو بَنى بَيتًا لقَضاءِ حاجةِ الإنسانِ -أي البَولِ والغائِطِ والتَّطهيرِ- ويَفتحُ بابَه إلى الطريقِ للناسِ، أو
(١) «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٥/ ٤٦٩)، و «المختصر الفقهي» لابن عرفة (١٣/ ٤٠).