للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو سلَّمَ إلى المُتولِّي صَحَّ التَّسليمُ على قَولِ مَنْ يَرى أنه شَرطٌ، ولو جعَلَ أرضَه طَريقًا فهو على هذا الخِلافِ، ثمَّ لا فرْقَ في الانتِفاعِ بمِثلِ هذه الأشياءِ بينَ الغنيِّ والفَقيرِ، حتى جازَ للكُلِّ النُّزولُ في الخانِ والرِّباطِ والشُّربُ مِنْ السِّقايةِ والدَّفنُ في المَقبرةِ، بخِلافِ الغلَّةِ حَيثُ لا تَجوزُ إلا للفُقراءِ؛ لأنَّ الغَنيَّ مُستَغنٍ بمالِه عن الصَّدقةِ ولا يَستغني عمَّا ذكَرْنا عادةً وهي الفارِقةُ؛ لأنه لا يُمكِنُه أنْ يَستصحِبَ هذه الأشياءَ عادةً، فكانَ مُحتاجًا إليها كالفَقيرِ، ولا حاجةَ إلى الغلَّةِ؛ لاستِغنائِه عنها بمالِهِ، وعلى هذا الوَقف، حتى لو وقَفَ أرضًا ليَصرِفَ غلَّتَها إلى الحاجِّ أو إلى الغُزاةِ أو طَلبةِ العِلمِ لا يُصرَفُ إلى الغَنيِّ مِنهم.

وعلى هذا لو جعَلَ دارَه مَسكنًا لأبناءِ السَّبيلِ في أيِّ بَلدٍ كانَ يَستَوي فيهِ الغَنيُّ والفَقيرُ؛ لِما ذكَرْنا مِنْ الفَرقِ، ورُويَ في الخبَرِ عن عُثمانَ «أنَّ النبيَّ دخَلَ المَدينةَ وليسَ بها ماءٌ يُستعذَبُ غيرَ بئرِ رُومةَ، فقال: مَنْ يَشتري بِئرَ رُومةَ فيَجعلُ فيها دَلوَه مع دِلاءِ المُسلمينَ بخيرٍ له منها في الجَنةِ؟ فاشتَرَيتُها مِنْ صُلبِ مالِي» (١)، فإذا جازَ للواقِفِ أنْ يَشربَ منهُ فَما ظَنُّكَ بغَيرِه مِنْ الأغنياءِ؟! (٢).


(١) حَسَنٌ: رواه النسائي (٣٦٠٨)، و «الترمذي» (٣٧٠٣)، وابن حبان في «صحيحه» (٢٤٩٢)، و «ابن أبي عاصم في السنة» (١٠٠٥)، و «الدارقطني» (٤/ ١٩٧).
(٢) «الهداية» (٣/ ١٩، ٢٠)، و «العناية» (٨/ ٣٥٦، ٣٥٩)، و «شرح فتح القدرير» (٦/ ٢٣٣، ٢٣٤)، و «الاختيار» (٣/ ٥٣، ٥٤)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٣٢٩، ٣٣١)، و «البحر الرائق» (٥/ ٢٦٨، ٢٦٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١١٠، ١١٥)، و «اللباب» (١/ ٦٢٦، ٦٢٨)، و «الهندية» (٢/ ٤٥٤، ٤٥٥)، و «أحكام الوقف» لهلال الرأي ص (٤١، ٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>