قالَ القاضي عَبدُ الوَهابِ ﵀: فأمَّا لَفظُ الصَّدقةِ -وهو أنْ يَقولَ:«هذه الدارُ صدَقةٌ على فُلانٍ» - فإنه على وَجهينِ:
أحَدُهما: أنْ يُريدَ تَمليكَه الرَّقبةَ، والآخرُ: أنْ يُريدَ الحَبسَ، فإنْ أرادَ المُتصدِّقُ تَمليكَ الرَّقبةِ جازَ وكانَ مِلكًا للمُتصدَّقِ عليه كالهِبةِ، وإنْ أرادَ به مَعنى التَّحبيسِ فذلكَ على وَجهَينِ: إنْ كانَ على رَجُلٍ مُعيَّنٍ أو قَومٍ مُعيَّنينَ غيرِ مَجهولينَ ولم يَذكرْ عُقبى ففيها رِوايتانِ على ما بَيَّناهُ في لَفظِ الحَبسِ:
إحداهُما: أنه لا يَتأبَّدُ، فيُصرَفُ أوَّلًا فيمَن نَصَّ عليهِ، فإذا انقَرضَ ذلكَ الوَجهُ عادَتْ مِلكًا.
والأُخرى: أنها تَتأبَّدُ، فتُصرَفُ في الوَجهِ الذي جُعلَتْ فيهِ، فإذا انقَرضَ عادَتْ إلى الفُقراءِ والمَساكينِ.
وأمَّا إنْ جعَلَها في قومٍ مَجهولينَ أو مَوجودينَ لا يُحاطُ بعَددِهم كبَني تَميمٍ وبَني تَغلِبَ، أو على مَوصوفينَ كالعُلماءِ والفُقراءِ، أو شرَطَ في المَعنيِّينَ أعقابَهُم فإنها تَتأبَّدُ ولا تَكونُ مِلكًا، وكذلكَ ذكَرَ ابنُ عَبدِ الحَكَمِ عن بَعضِ أصحابِنا في هذا إذا قالَ:«صَدقةٌ على فُلانٍ وعَقبِه ما عاشُوا» ولمْ يَقُلْ: «حَبسًا» أنها تَكونُ مِلكًا لآخِرِ عَقيبٍ مِنْ رَجُلٍ أو امرأةٍ، ويَتصرَّفُ فيهِ بما شاءَ مِنْ بَيعٍ أو غَيرِه، قالَ: وأكثرُ أصحابِنا يَرَونَه حَبسًا، وهذا الذي قالَه ليسَ بشَيءٍ، والصَّحيحُ أنها تَكونُ حَبسًا.
وأمَّا إذا أطلَقَ لفْظَ الصَّدقةِ ولم يَضُمَّ إليهِ ما يَقتضي مَعنى الحَبسِ لا مِنْ لفظِ التَّأبيدِ ولا مِنْ صِفاتِ المُتصدَّقِ عليهِم فلا يَكونُ مَعنى الحَبسِ؛