للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الشَّافِعيَّةُ: ولو وكَّله فيما يُمكِنُه عادةً، ولكنَّه عاجِزٌ عنه لِسَفَرٍ أو مَرَضٍ، قالَ الشِّربينيُّ : فإنْ كانَ التَّوكيلُ في حالِ عِلمِه بسَفَرِه أو مَرَضِه جازَ له أنْ يُوكِّلَ، وإنْ طَرَأَ العَجزُ فلا، خِلافًا لِلجُوَينيِّ، قالَه في المَطلَبِ، وكطُرُوءِ العَجزِ ما لو جَهِلَ المُوكِّلُ حالَ تَوكيلِه ذلك، كما يُؤخَذُ ممَّا مَرَّ آنِفًا عن الإسنَويِّ (١).

وَإلَيكَ تَفصيلَ كلِّ مَذهبٍ على حِدَةٍ:

قالَ الحَنفيَّةُ: ليسَ لِلوَكيلِ أنْ يُوكِّلَ غيرَه فيما وُكِّلَ فيهِ؛ لأنَّه فوَّض إليه التَصرُّفَ، دونَ التَّوكيلِ بهِ؛ لأنَّه إنَّما رَضيَ برَأْيِه، والنَّاسُ يَتفاوَتونَ في الآراءِ، فلا يَكونُ راضيًا بغيرِه.

إلَّا أنْ يَأذَنَ له المُوكِّلُ بالتَّوكيلِ لِوُجودِ الرِّضا، أو يُفَوِّضَ له بأنْ يَقولَ له: اعمَلْ برَأيِكَ، أوِ اصنَعْ ما شِئتَ، فيَجوزُ؛ لِإطلاقِ التَّفويضِ إلى رَأْيِهِ؛ فإذا أَذِنَ له أو قالَ: اعمَلْ برَأْيِكَ، فقَد فوَّض إليه الأمْرَ مُطلَقًا ورَضيَ بذلك.

فَإذا أجازَ له التَّوكيلَ أو قالَ له: اعمَلْ برَأيِكَ، كانَ الوَكيلُ الثَّاني وَكِيلًا عن المُوكِّلِ الأوَل؛ لأنَّه يَعمَلُ له، ولا يَنعزِلُ بعَزلِ الوَكيلِ الأوَل له ولا بمَوتِه، وهو نَظيرُ القاضي إذا استَخلَفَ قاضيًا، ويَنعزِلانِ جَميعًا بمَوتِ المُوكِّلِ الأوَل.


(١) «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>