للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا المَرأةُ إنْ كانَتْ مُخَدِّرةً جازَ لها أنْ تُوكِّلَ بغيرِ رِضا الخَصمِ؛ لأنَّها لَم تَألَفْ خِطابَ الرِّجالِ؛ فإذا حضَرتْ مَجلِسَ الحُكمِ انقَبَضَتْ فلَمْ تَنطِقْ بحُجَّتِها؛ لِحَيائِها، ورُبَّما يَكونُ ذلك سَبَبًا لِفَواتِ حَقِّها، وهذا شَيءٌ استَحسَنَه المُتَأخِّرونَ، جَعَلوها كالمَريضِ.

وأمَّا إذا كانَتْ عادَتُها أنْ تَحضُرَ مَجالِسَ الرِّجالِ فهي كالرَّجلِ لا يَجوزُ لها التَّوكيلُ إلَّا برِضا الخَصمِ.

فالإمامُ أبو حَنيفةَ لا يَرَى صِحَّةَ التَّوكيلِ في الخُصومةِ مِنْ غيرِ رِضا الخَصمِ إلَّا في ثَلاثِ مَسائِلَ:

إحداها: أنْ يَكونَ المُوكِّلُ غائِبًا مُدَّةَ السَّفَرِ مَسِيرَةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ، أو مُريدًا لِلسَّفَرِ.

الثَّانيةُ: أنْ يَكونَ مَريضًا مَرَضًا يَمنَعُه مِنْ الحُضورِ.

الثَّالثةُ: أنْ تَكونَ امرَأةً مُخَدِّرةً.

ولا يَلزَمُ الخَصمَ إجابةُ الوَكيلِ إلَّا في هذه المَواضِعِ الثَّلاثةِ.

وهذا في الخُصومةِ، أمَّا التَّوكيلُ بقَبضِ الدَّيْنِ والتَّقاضي والقَضاءِ بغيرِ رِضا الخَصمِ فجائِزٌ إجماعًا (١).

وذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ وأبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ مِنْ الحَنفيَّةِ -في الجُملةِ عندَهم على شُروطٍ تَأتي مُفَصَّلةً- إلى أنَّه يَجوزُ التَّوكيلُ في الخُصومةِ، سَواءٌ كانَ المُوكِّلُ حاضِرًا أو غائِبًا، صَحيحًا أو


(١) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٦٩، ٤٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>