للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الزَّيلَعيُّ : والمُتَأخِّرونَ مِنْ أصحابِنا اختاروا لِلفَتوَى أنَّ القاضيَ إذا علِم مِنْ الخَصمِ التَّعَنُّتَ في الإباءِ مِنْ قَبولِ التَّوكيلِ، لا يُمَكِّنُه مِنْ ذلك، ويَقبَلُ التَّوكيلَ مِنْ المُوكِّلِ مِنْ غيرِ رِضاه، وإنْ علِم مِنْ المُوكِّلِ قَصدَ الإضرارِ بخَصمِه لا يُقبَلُ مِنه التَّوكيلَ إلَّا برِضاه، وهو اختيارُ شَمسِ الأئِمَّةِ السَّرخَسيِّ ، ومِن الأعذارِ الحَيضُ مِنْ المُدَّعَى عليها، إذا كانَ الحُكمُ في المَسجِدِ، والحَبسُ، إذا كانَ مِنْ غيرِ القاضي الذي تَرافَعا إليه (١).

ولأنَّ حُضورَ الخَصمِ حَقٌّ مِنْ حُقوقِ المُدَّعِي بدَلالةِ ما يَستحقُّه مِنْ مُلازَمةٍ لِلخُصومةِ، ومَنعِه مِنْ اشتِغالِه، وفي امتِناعِه عن الحُضورِ بالتَّوكيلِ إسقاطٌ لِحَقِّ المُدَّعِي مِنْ الحُضورِ، ولأنَّ جَوابَ الدَّعوَى مُستحَقٌّ على المُدَّعَى عليه، وقَد يَكونُ الجَوابُ تارَةً إقرارًا، وتارَةً إنكارًا، والوَكيلُ يَقومُ مَقامَه في الإنكارِ دونَ الإقرارِ. فلَمْ يَجُزْ أنْ يَبطُلَ بالتَّوكيلِ حَقُّه في أحَدِ الجَوَابَيْنِ، وما قَدْ يَستحقُّه مِنْ اليَمينِ التي لا يَنوبُ الوَكيل عنه فيها، ولأنَّ الوَكيلَ فَرعٌ لِمُوكِّلِه، كالشَّهادةِ على الشَّهادةِ، هي فَرعٌ على شُهودِ الأصلِ، فَلمَّا لَم يَجُزْ لِلحاكِمِ أنْ يَسمَع شُهودَ الفَرعِ إلَّا بعدَ العَجزِ عن شُهودِ الأصلِ، وجَب ألَّا يَقتَنِعَ بالوَكيلِ إلَّا بعدَ العَجزِ عن المُوكِّلِ، ولأنَّ الوَكيلَ نائِبٌ عن مُوكِّلِه، كالوَصِيِّ والوَليِّ على اليَتيمِ، فلمَّا ثَبَتَتِ الوِلايةُ لِعَجزِ المَولَى عليه، وجَب أنْ تَصِحَّ الوَكالةُ لِعَجزِ المُوكِّلِ (٢).


(١) «تبيين الحقائق» (٤/ ٢٥٥)، و «المبسوط» (١٩/ ٣، ٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧٠)، و «الاختيار» (٢/ ١٨٩، ١٩٠)، و «ابن عابدين» (٧/ ٢٧٨).
(٢) «العناية» (١١/ ٧٤)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٥٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>