للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَريضًا، مَعذورًا أو غيرَ مَعذورٍ، سَواءٌ كانَ مالًا أو عُقوبةً لِآدَمِيٍّ، وسَواءٌ رَضيَ الخَصمُ أو لَم يَرضَ؛ لأنَّه حَقٌّ تَجوزُ النِّيابةُ فيه، فكانَ لِصاحِبِه الِاستِنابةُ بغيرِ رِضا خَصمِه، كَحالِ غَيبَتِه ومَرَضِه، وكَدَفعِ المالِ الذي عليه؛ لأنَّ كلَّ وَكالةٍ صَحَّتْ برِضا المُوكَّلِ عليه صَحَّتْ مَع عَدمِ رِضاه، كَوَكالةِ الغائِبِ والمَرأةِ، و «لأنَّ عليًّا وكَّل عَقيلًا عندَ عُمرَ لِيُخاصِمَ عنه، وقالَ: هذا عَقيلٌ أخي، ما قُضِيَ له فلي، وما قُضِيَ عليه فعَلَيَّ»، ووُكِّلَ عَبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ عندَ عُثمانَ، وقالَ: «إنَّ لِلخُصومةِ قُحَمًا، وإنَّ الشَّيطانَ لَيَحضُرُها، وإنِّي لَأكرَه أنْ أحضُرَها» (١)، قالَ أبو زِيادٍ: القُحَمُ: المَهالِكُ، وهذه قِصَصٌ انتَشَرَتْ لأنَّها في مَظِنَّةِ الشُّهرةِ، فلَم يُنقَلْ إنكارُها، فكانَ ذلك مِنهم إجماعًا على وَكالةِ الحاضِرِ.

وَلمَا رُوِيَ عن النَّبيِّ «أنَّه سمِع دَعْوَى حُوَيِّصةَ ومُحَيِّصةَ على يَهودِ خَيبَرَ أنَّهم قَتَلوا عَبدَ اللَّهِ بنَ سَهلٍ نِيابةً عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَهلٍ ووَليُّه كانَ حاضِرًا»، فما أنكَرَ دَعواهم له، مَع حُضورِه، فلَو كانَتْ وَكالَةُ الحاضِرِ غيرَ جائِزةٍ لَأنكَرَها حتى يَبتَدِئَ الوَليُّ بها، ألَا تَراه أنكَرَ على مُحَيِّصةَ حينَ ابتَدَأَ بالكَلامِ قبلَ حُوَيِّصةَ، وقالَ له: «كَبِّرْ كَبِّرْ»، وليسَ تَقديمُ الأكبَرِ بواجِبٍ، وإنَّما هو أدَبٌ، فكَيفَ يَكُفُّ عن إنكارِ ما هو واجِبٌ؟

ولأنَّ كلَّ مَنْ صَحَّ تَوكيلُه إذا كانَ غائِبًا أو مَريضًا صَحَّ تَوكيلُه، وإنْ كانَ


(١) رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (٧/ ٢٩٩) رقم (٢٣٦٣٨)، والبيهقي في «الكبرى» (٦/ ٨١) رقم (١١٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>