أو أنْ يَقولَ: رَجَعتُ عن الوَكالةِ المُعلَّقةِ، وعَزَلتُكَ عن الوَكالةِ المُنجَزةِ؛ لأنَّه لو عزَله عن المُنجَزةِ مِنْ غيرِ رُجوعٍ لَصارَ وَكيلًا مثلَما كانَ، ولو عزَله ألْفَ مَرَّةٍ؛ لأنَّ كَلِمةَ «كلَّما» تَقتَضي تَكرارَ الأفعالِ إلى ما لا نِهايةَ له، فلا يُفيدُ العَزلُ إلَّا بعدَ الرُّجوعِ، حتى لو عزَله ثم رجَع عن المُعلَّقةِ يَحتاجُ إلى عَزلٍ آخَرَ؛ لأنَّه كلَّما عزَله صارَ وَكيلًا، فلا يُفيدُ الرُّجوعُ بعدَ ذلك عن المُعلَّقةِ في حَقِّها؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى عَزلٍ آخَرَ بعدَ الرُّجوعِ.
وقيلَ: يَقولُ في عَزلِه: كلَّما وَكَّلتُكَ فأنتَ مَعزولٌ؛ لأنَّه كلَّما صارَ وَكيلًا انعزَل، ويَحصُلُ مَقصودُه بذلك، والأوَّلُ أوْجَهُ، وهذا لا يُفيدُ في الحَقيقةِ؛ لأنَّه انعزَل كلَّما تَوكَّل لِأجلِ اليَمينِ الثَّانيةِ بتَوكيلٍ أيضًا كلَّما انعزَل لِأجْلِ اليَمينِ الأُولَى، فيَبقَى دَائِمًا وَكيلًا مُنعَزِلًا، فلا يَنقَطِعُ إلَّا بالرُّجوعِ عن الوَكالةِ المُعلَّقةِ على ما بينَا (١).
وقالَ الشَّافِعيَّةُ: لو قالَ المُوكِّلُ لِلوَكيلِ: وَكَّلتُكَ ومتى عَزَلتُكَ فأنتَ وَكيلي فيه، أو قَدْ وَكَّلتُكَ، صَحَّتِ الوَكالةُ في الحالِ في الأصَحِّ؛ لأنَّ الإذْنَ قَدْ وُجِدَ مُنجَزًا.
وفي مُقابِلِ الأصَحِّ: لا يَصحُّ؛ لِاشتِمالِها على شَرطِ التَّأبيدِ، وهو: إلزامُ العَقدِ الجائِزِ.
(١) «المبسوط» (١٩/ ٧)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٣٨)، و «شرح فتح القدير» (٧/ ٥٠١)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ٢٢٤)، و «البحر الرائق» (٨/ ٥٥٢)، و «ابن عابدين» (٧/ ٣٨٢)، و «الهندية» (٦/ ٣٢٨)، و «درر الحكام» (٣/ ٦٥٧).