فأمَّا القِسمُ الأوَّلُ: وهو العامُّ في الأحوالِ كلِّها، فصُورَتُه أنْ يَقولَ: قَدْ وَكَّلتُكَ في كلِّ شَيءٍ، أو قَدْ وَكَّلتُكَ بكُلِّ قَليلٍ وكَثيرٍ، أو قَدْ وَكَّلتُكَ في فِعلِ ما رَأيتَه صَلاحًا في مالي. فهذه وَكالةٌ باطِلةٌ؛ لِلجَهلِ بها، ولِمُضادَّةِ الِاحتِمالِ فيها؛ لأنَّه قَدْ يَحتَمِلُ التَّوكيلَ في حِفظِ القَليلِ والكَثيرِ، ويُحتمَلُ بَيعُ القَليلِ والكَثيرِ، وهُما ضِدَّانِ مُتَبايِنانِ، فبطَلتِ الوَكالةُ مِنْ أجْلِه.
وأمَّا القِسمُ الثَّاني: وهو الخاصُّ في حالٍ بعَينِها، فصُورَتُه أنْ يَقولَ: قَدْ وَكَّلتُكَ في بَيعِ هذا العَبدِ، أو في شِراءِ هذه الدَّارِ، أو في اقتِضاءِ هذا الدَّيْنِ، أو في تَثبيتِ هذه الوَصيَّةِ، أو في مُخاصَمةِ هذا المُدَّعِي، فتَصحُّ الوَكالةُ خُصوصًا في المَأْذونِ فيه دونَ غيرِه، وهذا ما وَافَقَ عليه أبو حَنيفةَ، وإنْ خالَفَ في الوَصيَّةِ؛ فإنَّ أبا حَنيفةَ يَجعَلُ الوَصِيَّ في شَيءٍ وَصيًّا في كلِّ شَيءٍ، ولا يَجعَلُ الوَكيلَ في شَيءٍ وَكيلًا في كلِّ شَيءٍ، وعندَ الشَّافِعيِّ أنَّهما سَواءٌ، في أنَّ عَملَهما مَقصورٌ على المَأْذونِ فيه، دونَ غيرِه.