القِسمُ الثَّاني: أنْ يَحدُثَ على العَينِ ما يَمنَعُ نَفْعَها، كَدارٍ انهَدَمَتْ، وأرضٍ غَرِقَتْ أو انقَطَعَ ماؤُها، فهذه يُنظَرُ فيها، فإنْ لَم يَبْقَ فيها نَفْعٌ أصْلًا فهي كالتَّالِفةِ سَواءٌ، وإنْ بَقِيَ فيها نَفعٌ غيرُ ما استَأجَرَها لَه، مثلَ أنْ يُمكِنَ الِانتِفاعُ بعَرصةِ الدَّارِ والأرضِ؛ لِوَضعِ حَطَبٍ فيها، أو نَصْبِ خَيمةٍ في الأرضِ التي استَأجَرَها لِلزَّرعِ، أو صَيدِ السَّمكِ مِنْ الأرضِ التي غَرِقَتِ، انفَسخَتِ الإجارةُ أيضًا؛ لأنَّ المَنفَعةَ التي وقعَ عليها العَقدُ تَلِفَتْ؛ فانفَسخَتِ الإجارةُ، كَما لَوِ استَأجَرَ دَابَّةً لِيَركَبَها، فزَمِنَتْ؛ بحَيثُ لا تَصلُحُ إلَّا لِتَدورَ في الرَّحَى.
وقالَ القاضي ﵀ في الأرضِ التي يَنقَطِعُ ماؤُها: لا تَنفَسِخُ الإجارةُ فيها، وهو مَنصوصُ الشَّافِعيِّ؛ لأنَّ المَنفَعةَ لَم تَبطُلْ جُملةً؛ لأنَّه يُمكِنُ الِانتِفاعُ بعَرصةِ الأرضِ بنَصبِ خَيمةٍ، أو جَمعِ حَطَبٍ فيها، فأشبَهَ ما لَو نَقَصَ نَفْعُها مع بَقائِه، فعلى هذا يُخَيِّرُ المُستَأجِرُ بينَ الفَسخِ والإمضاءِ، فإنْ فَسخَ فحُكمُه حُكمُ العَبدِ إذا ماتَ، وإنِ اختارَ إمضاءَ العَقدِ فعليه جَميعُ الأجْرِ؛ لأنَّ ذلك عَيبٌ، فإذا رَضيَ به سقطَ حُكمُه، فإنْ لَم يَختَرِ الفَسخَ ولا الإمضاءَ، إمَّا لِجَهلِه بأنَّ له الفَسخَ، أو لِغَيرِ ذلك، فلَه الفَسخُ بعدَ ذلك، والأولُ أصَحُّ؛ لأنَّ بَقاءَ غيرِ المَعقودِ عليه لا يَمنَعُ انفِساخَ العَقدِ بتَلَفِ المَعقودِ عليه، كَما في البَيعِ.
وَلَو كانَ النَّفعُ الباقي في الأعيانِ ممَّا لا يُباحُ استيفاؤُه بالعَقدِ، كَدابَّةٍ استَأجَرَها لِلرُّكوبِ، فصارَتْ لا تَصلُحُ إلَّا لِلحَملِ، أو بالعَكسِ انفَسخَ العَقدُ وَجهًا واحِدًا؛ لأنَّ المَنفَعةَ الباقيَةَ لا يَملِكُ استِيفاءَها مع سَلامَتِها، فلا يَملِكُها مع تَعيِيبِها، كَبَيعِها.