الثَّاني: أنْ تَتلَفَ عُقَيبَ قَبضِها؛ فإنَّ الإجارةَ تَنفَسِخُ أيضًا، ويَسقُطُ الأجْرُ في قَولِ عامَّةِ الفُقهاءِ إلَّا أبا ثَورٍ، حُكيَ عنه أنَّه قالَ: يَستقِرُّ الأجْرُ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه أُتلِفَ بعدَ قَبضِه، أشبَهَ المَبيعَ، وهذا غَلَطٌ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه المَنافِعُ وقَبضُها باستِيفائِها، أوِ بالتَّمكُّنِ مِنْ استِيفائِها، ولَم يَحصُلْ ذلك، فأشبَهَ تَلَفَها قبلَ قَبضِ العَينِ.
الثَّالث: أنْ تَتلَفَ بعدَ مُضيِّ شَيءٍ مِنْ المدَّةِ؛ فإنَّ الإجارةَ تَنفَسِخُ فيما بَقيَ مِنْ المدَّةِ دونَ ما مَضَى، ويَكونُ لِلمُؤجِّرِ مِنْ الأجْرِ بقَدرِ ما استَوفَى مِنْ المَنفَعةِ، قالَ أحمَدُ في رِوايةِ إبراهيمَ بنِ الحارِثِ: إذا اكتَرى بَعيرًا بعَيْنِه فنَفَقَ البَعيرُ، يُعطيه بحِسابِ ما رَكِبَ، وذلك لِمَا ذَكَرْنا مِنْ أنَّ المَعقودَ عليه المَنافِعُ، وقَد تَلِفَ بَعضُها قبلَ قَبضِه، فبَطَلَ العَقدُ فيما تَلِفَ دونَ ما قَبَضَ، كَما لَوِ اشترَى صُبرَتَيْنِ، فقَبَضَ إحداهُما وتَلِفَتِ الأُخرَى قبلَ قَبضِها، ثم نَنظُرُ، فإنْ كانَ أجْرُ المدَّةِ مُتساويًا، فعليه بقَدْرِ ما مَضَى إنْ كانَ قد مَضَى النِّصفُ، فعليه نِصفُ الأجْرِ، وإنْ كانَ قد مَضَى الثُّلُثُ فعليه الثُّلُثُ، كَما يُقسِّمُ الثَّمنَ على المَبيعِ المُتساوِي، وإنْ كانَ مُختَلِفًا كَدارٍ أجْرُها في الشِّتاءِ أكثَرُ مِنْ أجْرِها في الصَّيفِ، وأرضٍ أجْرُها في الصَّيفِ أكثَرُ مِنْ الشِّتاءِ، أو دارٍ لَها مَوسِمٌ، كَدُورِ مَكَّةَ، رَجعَ في تَقويمِه إلى أهلِ الخِبرةِ، ويَسقُطُ الأجْرَ المُسمَّى على حَسَبِ قِيمةِ المَنفَعةِ، كَقِسمةِ الثَّمنِ على الأعيانِ المُختَلِفةِ في البَيعِ، وكذلك لَو كانَ الأجْرُ على قَطعِ مَسافةٍ، كبَعيرٍ استَأجَرَه على حَمْلِ شَيءٍ إلى مَكانٍ مُعيَّنٍ، وكانَتْ مُتساويةَ الأجزاءِ، أو مُختَلِفةً، وهذا ظاهِرُ مَذهبِ الشَّافِعيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute