أمَّا الحَنابِلةُ؛ فقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإذا استَأجَرَ الأميرُ قَومًا يَغزونَ مع المُسلِمينَ لِمَنافِعِهم، لَم يُسهِمْ لَهم، وأُعطُوا ما استُؤجِروا به، نَصَّ أحمَدُ على هذا في رِوايةِ جَماعةٍ، فقالَ في رِوايةِ عَبدِ اللَّهِ، وحَنبَلٍ: في الإمامِ يَستَأجِرُ قَومًا يَدخُلُ بهم بِلادَ العَدُوِّ، لا يُسهِمُ لَهُم، ويُوَفِّي لَهُمْ بما استُؤجِروا عليه، وقالَ القاضي: هذا مَحمولٌ على استِئجارِ مَنْ لا يَجِبُ عليه الجِهادُ؛ كالعَبيدِ والكُفَّارِ، أمَّا الرِّجالُ والمُسلِمونَ الأحرارُ فلا يَصحُّ استِئجارُهم على الجِهادِ؛ لأنَّ الغَزوَ يَتعيَّنُ بحُضورِه على مَنْ كانَ مِنْ أهلِه، فإذا تَعيَّنَ عليه الفَرضُ لَم يَجُزْ أنْ يَفعَلَه عن غَيرِه، كَمَنْ عليه حَجَّةُ الإسلامِ لا يَجوزُ أنْ يَحُجَّ عن غَيرِه، وهذا مَذهَبُ الشَّافِعيِّ.
وَيُحتَمَلُ أنْ يُحمَلَ كَلامُ أحمدَ، والخِرَقِيِّ على ظاهِرِه في صِحَّةِ الِاستِئجارِ على الغَزْوِ لِمَنْ لَم يَتعيَّنْ عليه؛ لِمَا رَوَى أبو داوُدَ بإسنادِه عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ:«لِلْغَازِي أجْرُهُ، وَللْجَاعِلِ أجْرُهُ، وأَجْرُ الغَازي»(١). وَروَى سَعيدُ بنُ مَنصورٍ عن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ الذين يَغزونَ مِنْ أُمَّتي ويَأخُذونَ الجُعلَ ويَتَقوَّوْنَ به على عَدُوِّهم، مَثَلُ أُمِّ موسَى تُرضِعُ وَلَدَها وتَأخُذُ أجْرَها»، ولأنَّه أمْرٌ لا يَختَصُّ فاعِلُه أنْ يَكونَ مِنْ أهلِ القُربةِ، فَصَحَّ الِاستِئجارُ عليه؛ كَبِناءِ المَساجِدِ، أو لَم يَتعيَّنْ عليه الجِهادُ، فصَحَّ أنْ يُؤجِّرَ نَفْسَه عليه، كالعَبدِ، ويُفارِقُ الحَجَّ؛ حَيثُ إنَّه لَيسَ بفَرضِ عَينٍ، وأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلَيه، وفي