للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ: لأنَّ فَرضَ الحَجِّ لا يَتكرَّرُ، صَحَّتْ فيه النِّيابةُ، ولَو تكَرَّرَ فَرضُ الحَجِّ في كلِّ عامٍ بأنْ قالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي فلِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أحُجَّ في كلِّ سَنةٍ، لَم تَصحَّ منه النِّيابةُ؛ لِبَقاءِ فَرضِه عليه، كالجِهادِ، فإذا صَحَّ فَسادُ النِّيابةِ في الجِهادِ، وجبَ على الغازي رَدُّ الجَعالةِ، وكانَتْ دَيْنًا عليه إنِ استَهلَكَها.

فَأمَّا جَعالةُ السُّلطانِ إذا بذلَها لِلغُزاةِ، مِنْ بَيتِ المالِ، فجائِزٌ لِأمرَيْنِ:

أحَدُهما: أنَّه بذلَها لِلجِهادِ عن الكافَّةِ دُونَه، ولَو بذلَها لِلنِّيابةِ عنه لَم تَصحَّ.

والآخَرُ: أنَّه بذلَها لَهم مِنْ مالٍ هو مُستحَقٌّ لَهُم؛ لأنَّهم إنْ كانوا مِنْ مُرتَزَقةِ أهْلِ الفَيْءِ كانَ لَهم حَقٌّ في مالِ الفَيْءِ، وإنْ كانوا مِنْ مُتطوِّعةِ الأعرابِ وأهلِ الصَّدَقاتِ، كانَ لَهم حَقٌّ في سَهمِ سَبيلِ اللَّهِ مِنْ أموالِ الصَّدَقاتِ، ولِذلك إذا رَجَعوا عن الحَربِ لِمانِعٍ لَم يُستَرجَعْ مِنهم ما أخَذوه، لَحِقَهم فيه.

وَلَكِنْ لا بَأْسَ أنْ يَبذُلَ الإنسانُ مالًا يَبَرُّ به الغازيَ والحاجَّ وفاعِلَ البِرِّ؛ مَعونةً لَه؛ لِيَكونَ لِلباذِلِ ثَوابُ بَذْلِه، ولِلعاملِ ثَوابُ عَملِه؛ لأنَّه يَنوبُ فيه عن نَفْسِه، لا عن باذِلِ المالِ (١).

أمَّا الذِّميُّ فيَجوزُ لِلإمامِ استِئجارُه لذلك، على المَذهبِ، ولا يَصحُّ مِنْ غَيرِه استِئجارُه على الأصَحِّ (٢).


(١) «الحاوي الكبير» (١٤/ ١٢٨، ١٢٩).
(٢) «روضة الطالبين» (٤/ ١٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٩٨)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٣٣١، ٣٣٢)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٥٣)، و «كنز الراغبين» (٣/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>