للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى هذا أشارَ اللهُ جَلَّ شَأْنُه في قَولِه : ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠)[الطور: ٤٠] فيُؤدِّي إلى الرَّغبةِ عن هذه الطاعاتِ، وهذا لا يَجوزُ، وقالَ تَعالى: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [يوسف: ١٠٤]، أي: على ما تُبَلِّغُ إليهم أجْرًا، وهو كان يُبَلِّغُ بنَفْسِه وبغَيرِه بقَولِه : «ألَا فليُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ»، فكانَ كلُّ مُعَلِّمٍ مُبَلِّغًا، فإذا لَم يَجُزْ له أخْذُ الأجْرِ على ما يُبَلِّغُ بنَفْسِه؛ لِمَا قُلْنا، فكَذا لِمَنْ يُبَلِّغُ بأمْرِه؛ لأنَّ ذلك تَبليغٌ منه مَعنًى، ويَجوزُ الاستِئجارُ على تَعليمِ اللُّغةِ والأدَبِ؛ لأنَّه ليس بفَرضٍ ولا واجِبٍ (١).

قالَ في «الجَوهَرة النَّيِّرة»: وأمَّا تَعليمُ الفِقهِ فلا يَجوزُ الاستِئجارُ عليه بالإجماعِ؛ لأنَّه لا يَقدِرُ على الوَفاءِ به.

ويَجوزُ على تَعليمِ اللُّغةِ، والأدَبِ بالإجماعِ (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ: يَحرُمُ، ولا تَصحُّ إجارةٌ على عَملٍ يَختَصُّ فاعِلُه أنْ يَكونَ مِنْ أهلِ القُربةِ، وهو المُسلِمُ، ولا يَقَعُ ذلك العَملُ إلَّا قُربةً لِفاعِلِه، كالحَجِّ، وتَعليمِ قُرآنٍ وفِقهٍ وحَديثٍ، وكَذا القَضاءُ، لأنَّ مِنْ شَرطِ هذه الأفعالِ كَونَها قُربةً للَّهِ ، فلَم يَجُزْ أخْذُ الأُجرةِ، كَما لَوِ استَأجَرَ قَومًا يُصَلُّونَ خَلفَه.

وَيَصحُّ أخْذُ جَعالةٍ على ذلك، كَما يَجوزُ أخْذُه عليه بلا شَرطٍ، ولَه


(١) «المبسوط» للسرخسي (١٦/ ٣٧)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٩٩)، و «بدائع الصنائع» (٤/ ١٩١).
(٢) «الجوهرة النيرة» (٣٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>