للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعلّمِه ولَو بأُجْرةٍ، والفَرقُ بينَ الفِقهِ وبَينَ تَعليمِ القُرآنِ أنَّ الفِقهَ فيه حَقٌّ وباطِلٌ، وأنَّ القُرآنَ حَقٌّ لا شَكَّ فيه، وأنَّ تَعليمَ الفِقهِ بأُجرةٍ لَيسَ عليه العَملُ، بخِلافِ تَعليمِ القُرآنِ، ولأنَّ العِلمَ لَو جازَتِ الإجارةُ عليه لَأدَّى لِضَياعِ الشَّريعةِ، مع أنَّ مَعرِفةَ أحكامِ الدِّينِ فَرضُ عَينٍ على كلِّ مُكَلَّفٍ، وليسَ في القُرآنِ فَرضُ عَينٍ سِوَى الفاتِحةِ، فلِذلك رُخِّصَ في أخْذِ الأُجرةِ فيه دونَ العِلمِ (١).

وذَهَبَ الحَنفيَّةُ -المُتقَدِّمونَ، خِلافًا لِلمُتأَخِّرينَ- والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ أخْذُ الأُجرةِ على تَعليمِ الفِقهِ والعِلمِ، قالَ الحَنفيَّةُ: لأنَّ كلَّ طاعةٍ يَختَصُّ بها المُسلِمُ، فالاستِئجارُ عليها باطِلٌ، ولأنَّ الاستِئجارَ على ذلك سَبَبٌ لِتَنفِيرِ النَّاسِ عن العِلمِ؛ لأنَّ ثِقلَ الأجْرِ يَمنَعُهم من ذلك،


(١) «الكافي» (١/ ٣٧٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٥٩)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٨٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٧)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٦٦)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ١١٤)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٣/ ٣٦٣)، وجاء في «المدونة» (١١/ ٤١٩) قُلتُ: فإنِ استأجَرتُه على أنْ يُعَلِّمَ ولدي الكِتابةَ: كلُّ شَهرٍ بدِرهَمٍ؟ قالَ: لا بَأْسَ بذلك.
قُلتُ: وهذا قَولُ مالِكٍ، قالَ مالِكٌ في إجارةِ المُعَلِّمينَ سَنَةً سَنةً: لا بَأْسَ بذلك؛ فالذي يَستَأجِرُه يُعَلِّمُ وَلَدَه الكِتابةَ وَحدَها لا بَأْسَ بذلك، مِثلَ قَولِ مالِكٍ في إجارةِ المُعَلِّمينَ سَنةً سَنةً.
قُلتُ: أرأيتَ إنِ استأجَرتُ رَجُلًا يُعَلِّمُ وَلَدي الفِقهَ والفَرائِضَ، أتَجوزُ هذه الإجارةُ أم لا؟ قال: ما سَمِعتُ منه فيه شَيئًا، إلا أنَّه كَرِهَ بَيعَ كُتُبِ الفِقهِ؛ فأنا أرى الإجارةَ على تَعليمِ ذلك لا تُعجِبُني، فالإجارةُ على تَعليمِهما أشَرُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>