للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخْذُ رِزقٍ على ما يَتعدَّى نَفْعُه؛ كالقَضاءِ والفُتَيا والأذانِ والإمامةِ وتَعليمِ القُرآنِ والفِقهِ والحَديثِ ونَحوِها، كَما يَجوزُ أخْذُ الوَقفِ على مَنْ يَقومُ بهذه المَصالِحِ المُتعَدِّي نَفعُها؛ لأنَّه لَيسَ بعِوَضٍ، بَلِ القَصدُ به الإعانةُ على الطَّاعةِ، ولا يُخرِجُه ذلك عن كَونِه قُربةً، ولا يَقدَحُ في الإخلاصِ؛ لأنَّه لَو قَدَحَ ما استُحِقَّتِ الغَنائِمُ، بخِلافِ الأجْرِ، فيُمتَنَعُ أخْذُه على ذلك.

وَتَصحُّ الإجارةُ على تَعليمِ الخَطِّ والحِسابِ والشِّعرِ المُباحِ وشِبْهِهِ؛ لأنَّه تارةً يَقَعُ قُربةً، وتارةً يَقَعُ غيرَ قُربةٍ، فلَم يَمنَعْ الِاستِئجارَ لِفِعلِهِ، كَغَرسِ الأشجارِ وبِناءِ البُيوتِ، فإنْ نَسِيَ ما تَعلّمَه مِنْ شِعرٍ وحِسابٍ ونَحوِه في المَجلِسِ، أعادَ تَعليمَه؛ لأنَّه مُقتَضَى العُرفِ، وإنْ نَسِيَه بعدَ المَجلِسِ فلا يَلزَمُه إعادَتُه؛ لأنَّه لَيسَ مُقتَضَى العَقدِ (١).

وذَهَبَ الشافِعيَّةُ (٢) والحَنابِلةُ في رِوايةٍ اختارَها ابنُ قُدامةَ وشَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ يُونُسَ مِنْ المالِكيةِ، وهو قولُ مُتأخِّري الحَنفيَّةِ إلى أنَّه يَجوزُ أخْذُ الأُجرةِ على تَعلِيمِ العِلمِ، والحَديثِ، والفِقهِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ: وما لا يَختَصُّ فاعِلُه أنْ يَكونَ مِنْ أهلِ القُربةِ؛ كَتَعليمِ الخَطِّ والحِسابِ والشِّعرِ المُباحِ وأشباهِهِ، وبِناءِ المَساجِدِ والقَناطِرِ؛ جازَ


(١) «الإنصاف» (٦/ ٤٦)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٣، ١٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤١، ٤٣)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٦٣٧)، و «منار السبيل» (٢/ ٢١٦).
(٢) «النجم الوهاج» (٥/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>