وأمَّا الوَجيبةُ والمُقاطَعةُ فلازِمَتانِ لكلِّ واحِدٍ مِنهما، لَيسَ لِلأبِ أنْ يُخرِجَ ابنَه قبلَ انقِضاءِ الوَجيبةِ، أو قبلَ تَمامِ المُقاطَعةِ، إلَّا أنْ يُؤدِّي إليه جَميعَ الأجْرِ، وأجازَ ابنُ حَبيبٍ أنْ يُسَمِّيَ في المُقاطَعةِ أجَلًا، وحَكاه عن مالِكٍ، وذلك خِلافُ المَشهورِ (١).
وقالَ فَخرُ الدِّينِ الزَّيلَعيُّ ﵀: والفَتوَى اليَومَ على جَوازِ الِاستِئجارِ لِتَعليمِ القُرآنِ، وهو مَذهَبُ المُتأخِّرينَ مِنْ مَشايِخِ بَلْخَ، استَحسَنوا ذلك، وقالوا: بَنَى أصحابُنا المُتقدِّمونَ الجَوابَ على ما شاهَدوا مِنْ قِلَّةِ الحُفَّاظِ ورَغبةِ النَّاسِ فيهم، وكانَ لَهم عَطيَّاتٌ في بَيتِ المالِ، وافتِقادٌ مِنْ المُتعلِّمينَ في مُجازاةِ الإحسانِ بالإحسانِ مِنْ غيرِ شَرطِ مُروءةٍ يُعينونَهم على مَعاشِهم ومَعادِهم، وكانوا يُفتُونَ بوُجوبِ التَّعليمِ؛ خَوفًا مِنْ ذَهابِ القُرآنِ، وتَحريضًا على التَّعليمِ حتى يَنهَضوا لِإقامةِ الواجِبِ، فيَكثُرَ حُفَّاظُ القُرآنِ، وأمَّا اليَومَ فذَهَبَ ذلك كلُّه واشتَغَلَ الحُفَّاظُ بمَعاشِهم، وقَلَّ مَنْ يُعَلِّمُ حِسبةً، ولا يَتفرَّغونَ له أيضًا؛ فإنَّ حاجَتَهم تَمنَعُهم مِنْ ذلك، فلَو لَم يُفتَحْ لَهم بابُ التَّعليمِ بالأجْرِ لَذَهَبَ القُرآنُ، فأفتَوْا بجَوازِ ذلك؛ لِذلك رَأوْه حَسَنًا، وقالوا: الأحكامُ قد تَختَلِفُ باختِلافِ الزَّمانِ، ألَا تَرى أنَّ النِّساءَ كُنَّ يَخرُجنَ إلى الجَماعاتِ في زَمنِ النَّبيِّ ﷺ، وفي زَمنِ أبي بَكرٍ ﵁ حتى مَنعَهُنَّ عُمرُ ﵁، واستَقرَّ الأمْرُ عليه، وكانَ ذلك هو الصَّوابَ، وكانَ الإمامُ أبو بَكرٍ مُحمَّدُ بنُ الفَضلِ يَقولُ: يَجِبُ الأجْرُ ويُحبَسُ عليها، وقالَ في النِّهاية: يُفتَى بجَوازِ الِاستِئجارِ على تَعليمِ الفِقهِ أيضًا في زَمانِنا، ثم قالَ:
(١) «البيان والتحصيل» (٨/ ٤٥٣، ٤٥٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute