النَّاسَ الخَيرَ فيُعطَى. قيلَ لَه: إنَّه يُعلِّمُ مُشاهَرةً ويَطلُبُ ذلك. فقالَ: لا بَأْسَ به، ما زالَ المُعلِّمونَ عِندَنا بالمَدينةِ يَفعَلونَ ذلك (١).
وقالَ أبو الوَليدِ ابنُ رُشدٍ القُرطُبيُّ ﵀: ومِن جِهةِ النَّظَرِ أنَّه لَمَّا كانَ الجُلوسُ لِتَعليمِهمُ القُرآنَ غيرَ واجِبٍ على الرجُلِ، ولا لَازِمٍ لَه، جازَ له أخْذُ الأُجرةِ عليه، وإنْ كانَ فيه قُربةٌ؛ أصْلُ ذلك الِاستِئجارُ على بِناءِ المَساجِدِ، وما أشبَهَ ذلك، وحَديثُ عُبادةَ الذي استَدَلَّ به المُخالِفُ قالَ: كُنْتُ أُعَلِّمُ ناسًا مِنْ أهلِ الصُّفَّةِ القُرآنَ، فأهدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنهم قَوسًا على أنْ أقبَلَها في سَبيلِ اللَّهِ، فذَكَرتُ ذلك لِرَسولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ:«إنْ أرَدْتَ أنْ يُطَوِّقَكَ اللَّهُ به طَوقًا مِنْ نارٍ فاقبَلْها»، تَأويلُه في مُبتَدَأِ الإسلامِ، وحينَ كانَ تَعليمُ القُرآنِ فَرضًا على الأعيانِ؛ لِقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«بَلِّغوا عَنِّي ولَوْ آيةً»، وأمَا إذْ قد حَصَلَ التَّبليغُ، وفَشَا القُرآنُ، وصارَ مُثبَتًا في المَصاحِفِ، مَحفوظًا في الصُّدورِ، فلَيسَتِ الأُجرةُ على تَعليمِه أُجرةً على تَبليغِه، وإنَّما هو أُجرةٌ على الجُلوسِ لِتَعليمِه، والِاشتِغالِ بذلك عن مَنافِعِه، وقولُهُ: إنَّ ذلك كالأُجرةِ على تَعليمِ الصَّلاةِ، لَيسَ بصَحيحٍ؛ لأنَّ تَعليمَ الجاهِلِ الصَّلاةَ واجِبٌ، وليسَ بواجِبٍ على أحَدٍ الجُلوسُ لِتَعليمِ القُرآنِ، وهذا بيِّنٌ والحَمدُ لِلَّهِ، فالأُجرةُ على تَعليمِ القُرآنِ جائِزةٌ مُشاهَرةً ومُقاطَعةً على جَميعِ القُرآنِ، أو على جُزءٍ مَعلومٍ مِنه؛ نَظَرًا أو ظاهِرًا، وتكونُ وَجيبةً لِمدَّةٍ مَعلومةٍ مِنْ الشُّهورِ أو الأعوامِ، فالمُشاهَرةُ غيرُ لَازِمةٍ لِواحِدٍ مِنهما، لِأبي الصَّبيِّ أنْ يُخرِجَ ابنَه متى شاءَ، ولِلمُعَلِّمِ مِثلُ ذلك أيضًا.