للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا احتاجَ إلى دارِ السِّجنِ لَم يَأخُذْها إلَّا بالبَيعِ، ولأنَّها أرضٌ حَيَّةٌ لَم يَرِدْ عليها صَدَقةٌ مُحرَّمةٌ، فجازَ بَيعُها كَسائِرِ الأرضِ، وما رُوِيَ مِنْ الأحاديثِ في خِلافِ هذا ضَعيفٌ، وأمَّا كَونُها فُتِحتْ عَنوةً فهو الصَّحيحُ الذي لا يُمكِنُ دَفْعُه، وهو قولُ جُمهورِ الفُقهاءِ، الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ والحَنابِلةِ، إلَّا أنَّ النَّبيَّ أقَرَّ أهلَها فيها على أملاكِهم ورِباعِهم، فيَدلُّ ذلك على أنَّه تَركَها لَهم، كَما تَركَ لِهَوازِنَ نِساءَهم وأبناءَهُم (١).

القولُ الثالِثُ: كَراهةُ بَيعِ دُورِ مَكةَ وكِرائِها تَنزِيهًا، وهو مَروِيٌّ عن مالِكٍ، وهو قولُ جَماعةٍ مِنْ المالِكيَّةِ، قالَ في المُوازَنة: وقد سَمِعتُ أنَّ مالِكًا يَكرَهُ كِراءَ بُيوتِ مَكةَ، ثم قالَ: فإنْ قَصَدَ بالكِراءِ الآلاتِ والأخشابَ جازَ، وإنْ قَصَدَ فيه البُقعةَ فلا خَيرَ فيه.

قالَ الحَطَّابُ : وظاهِرُه أنَّ الكَراهةَ على بابِها، أي: لِلتَّنزيهِ (٢).

القولُ الرَّابِعُ: تَخصيصُها، أي: الكَراهةِ، بالمَوسِمِ؛ لِكَثرةِ النَّاسِ واحتِياجِهم لِلوُقفِ، قالَ البَنانيُّ المَكيُّ أيضًا: قالَ ابنُ رُشدٍ في المُقدِّماتِ، وحَكَى الدَّاوديُّ عنه، أي: عن مالِكٍ، أنَّه كَرِهَ كِراءَها في أيَّامِ المَوسِمِ خاصَّةً، انتَهَى. وهكذا حَكاه اللَّخميُّ عنه أيضًا. اه.


(١) «البيان والتحصيل» (٣/ ٤٠٦)، و «الذخيرة» (٥/ ٤٠٦)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٢٢)، و «التبصرة» (١١/ ٥٠٨٥)، و «الفروق» (٤/ ٩، ١٧)، و «الحاوي الكبير» (٥/ ٣٨٦) (٧/ ٤٤٤)، و «شرح مسلم» للنووي (٩/ ١٢٠)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٥٢، ٥٣)، و «المغني» (٤/ ١٧٨)، و «المبدع» (٤/ ٢١)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٨٣، ١٨٤)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٢٣).
(٢) «الفروق» (٤/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>