للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لِأمرَيْنِ:

الأولُ: مَا مَرَّ مِنْ الخِلافِ في أنَّها فُتِحتْ عَنوةً أو صُلحًا، وعلى الأولِ، فهل يُنظَرُ إلى أنَّه قد مَنَّ على أهلِها بأنْفُسِهم وأموالِهم مُطلَقًا، أو لا مُطلَقًا، أو يُنظَرُ إليه في غيرِ أيَّامِ المَوسِمِ.

والأمْرُ الآخَرُ: تَعارُضُ الأدِلَّةِ، قالَ الشَّيخُ مُحمدٌ البَنانيُّ المَكيُّ في رِسالَتِه «تُحفةُ المُريدِ السَّالِكِ»: فاستَدَلَّ القائِلُ بالمَنْعِ بالكِتابِ والسُّنةِ، أمَّا بالكِتابِ، فقولُه تَعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥]، قالوا: المُرادُ بالمَسجِدِ الحَرامِ مَكةُ؛ لِمَا رَوَى ابنُ أبي حاتِمٍ وغَيرُه عن ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عُمرَ وعَطاءٍ ومُجاهِدٍ أنَّ المَسجِدَ الحَرامَ في هذه الآيةِ الحَرَمُ كلُّه، وقد وَصَفَه اللهُ تَعالى بقَولِه: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً﴾، أي: المُؤمِنينَ جَميعًا، ثم قالَ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾، أي: سَواءٌ المُقيمُ في الحَرَمِ ومَن دخلَ مَكةَ مِنْ غيرِ أهلِها، أو المُقيمُ فيه والغَريبُ سَواءٌ، فدَلَّتْ هذه الآيةُ على مَنْعِ بَيعِ دُورِ مَكةَ وإجارَتِها؛ لأنَّ اللهَ جعلَها لِلنَّاسِ سَواءً؛ فلا يُختَصُّ أحَدٌ بمِلْكٍ فيها دونَ أحَدٍ.

قالَ القَسطَلانيُّ على البُخاريِّ في قَولِه تَعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، مَا نَصُّه: وأوَّلَهُ أبو حَنيفَةَ بمَكةَ، واستَشهَدَ له بقَولِه تَعالى: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً﴾، على عَدَمِ جَوازِ بَيعِ دُورِها وإجارَتِها، ثم قالَ في مَوضِعٍ آخَرَ: وذَهَبَ ابنُ عَبَّاسِ وابنُ جُبَيرٍ، وقَتادةُ؛ وغَيرُهم إلى أنَّ التَّسويةَ بينَ البادي والعاكِفِ في مَنازِلِ مَكةَ، وهو مَذهَبُ أبي حَنيفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>