للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرِثَها دونَ إخوَتِه؛ لِكَونِه كانَ على دِينِه دُونَهُما، ولَو كانَتْ غيرَ مَملوكةٍ وكانَ بَيعُها باطِلًا لَمَا أجازَه رَسولُ اللَّهِ ، ولَأَقَرَّ مِلْكَ الدُّورِ على حُكمِها الأولِ. ولأنَّه إجماعُ السَّلفِ وأهلِ الأعصارِ مِنْ لَدُنْ رَسولِ اللَّهِ إلَى وَقتِنا يَتبايَعونَ مَنازِلَ مَكَّةَ، ويُشاهِدونَ ذلك مِنْ غَيرِه، ولا يُنْكِرُ ذلك واحِدٌ مِنهم، فكانَ إجماعًا.

وَلأنَّ أصحابَ النَّبيِّ كانَتْ لَهُمْ دُورٌ بمَكَّةَ لِأبي بَكرٍ، والزُّبَيرِ وحَكيمِ بنِ حِزامٍ؛ وأبي سُفيانَ، وسائِرِ أهلِ مَكَّةَ، فمِنهم مَنْ باعَ، ومِنهم مَنْ تَركَ دارَه، فهي في يَدِ أعقابِهم.

وقد باعَ حَكيمُ بنُ حِزامٍ دارَ النَّدوةِ؛ فقالَ ابنُ الزُّبَيرِ: بِعتَ مَكرُمةَ قُرَيشٍ؟ فقالَ: يا ابنَ أخِي، ذَهَبَتِ المَكارِمُ إلَّا التَّقوَى.

واشترَى مُعاويةُ دارَيْنِ واشترَى عُمرُ دارَ السِّجنِ مِنْ صَفوانَ بنِ أُمَيَّةَ بأربَعةِ آلافٍ.

ولَم يَزَلْ أهلُ مَكَّةَ يَتصرَّفونَ في دُورِهم تَصرُّفَ المُلَّاكِ بالبَيعِ وغَيرِه، ولَم يُنكِرْه مُنكِرٌ؛ فكانَ إجماعًا، ولأنَّه أحَدُ الحَرَمَيْنِ، فجازَ أنْ يَصحَّ بَيعُ مَنازِلِه وعَقارِه، وإجارَتُه، كالمَدينةِ.

وقد قَرَّرَه النَّبيُّ بنِسبةِ دُورِهم إلَيهم، فقالَ: «مَنْ دخلَ دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن أغلَقَ عليه بابَه فهو آمِنٌ»، وأقَرَّهم في دُورِهم، ورِباعِهم، ولَم يَنقُلْ أحَدًا عن دارِه، ولا وُجِدَ منه ما يَدلُّ على زَوالِ أمْلاكِهم، وكذلك مَنْ بَعدَه مِنْ الخُلَفاءِ، حتى إنَّ عُمرَ مع شِدَّتِه في الحَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>