للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ القَطَّانِ وابنُ عَتَّابٍ: لا يُطالَبُ، إلَّا أنْ يَكونَ مَعروفًا بالغَصبِ والِاستِطالةِ والقُدرةِ على ذلك (١).

القولُ الثَّاني: أنَّه يَجوزُ بَيعُها وإجارَتُها، وهو مَذهَبُ الشَّافعيَّةِ والحَنابِلةِ في رِوايةٍ اختارَها ابنُ قُدامةَ وابنُ تَيميَّةَ وابنُ القيِّمِ ومالِكٌ في رِوايةٍ عنه، وهو الظَّاهِرُ مِنْ مَذهبِ ابنِ القاسِمِ، وهو المُعتَمَدُ الذي به الفَتْوى، وعليه جَرَى العَملُ مِنْ أئِمَّةِ الفَتْوَى والقُضاةِ بمَكةَ المُشَرَّفةِ (وهو قولُ أبي يُوسفَ، ومُحمدٍ، ورِوايةٌ عن أبي حَنيفَةَ في البَيعِ).

لِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [الحشر: ٨]، فأضافَ الدِّيارَ إليهم؛ كإضافةِ الأموالِ إليهم، ثم ثبَتَ أنَّ أموالَهم كسائِرِ أموالِ النَّاسِ في تَمليكِها، وجَوازِ بَيعِها، فكذلك الدِّيارُ، وجَوازُ بَيعِها دَلَّ على جَوازِ إجارَتِها؛ لأنَّ ما جازَ بَيعُه مِنْ الدُّورِ جازَتْ أجارَتُه، كسائِرِ البِلادِ، ولأنَّه لو لم تُمَلَّكْ رِقابُها ويُستَحقَّ سُكناها لَمَا جازَ لِأحَدٍ أنْ يَستَوطِنَ بها دارًا، ولَاستَهَمَ النَّاسُ عليها؛ لِاستِوائِهم فيها.

وعن أُسامَةَ بنِ زَيْدِ بنِ حَارِثَةِ أنَّه قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ، أيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ فقالَ: وهَلْ تَركَ لنا عَقيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أو دُورٍ»، وكانَ عَقيلٌ وَرِثَ أبَا طَالِبٍ، هو وَطَالِبٌ، ولَم يَرِثْهُ جَعْفَرٌ، ولا عَلِيٌّ شَيئًا؛ لأنَّهمَا كانَا مُسْلِمَيْنِ، وكانَ عَقيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ (٢)، يَعني أنَّ عَقيلًا باعَ رِباعَ أبي طالِبٍ لأنَّه


(١) «منح الجليل» (٣/ ١٨٠، ١٨١).
(٢) رواه البخاري (٤٠٣٢)، ومسلم (١٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>