قالَ القَرافيُّ ﵀: ذِكْرُ الخِلافِ في كِراءِ دُورِ مَكَّةَ: المَشهورُ مَنْعُ كِرائِها؛ لِفَتْحِها عَنوةً، وما يَقَعُ مِنْ القَضاءِ في إثباتِ الأملاكِ وعُقودِ الإيجاراتِ والأخْذِ بالشُّفعاتِ ونَحوِ ذلك؛ فهو على القَولِ بأنَّ لِلإمامِ قَسْمَها، كَسائِرِ الغَنائِمِ، أو على القَولِ بأنَّه مُخَيَّرٌ في ذلك.
والقاعِدةُ المُتفَقُ عليها: أنَّ مَسائِلَ الخِلافِ إنِ اتَّصَلَ ببَعضِ أقوالِها قَضاءُ حاكِمٍ تَعيَّنَ ذلك القولُ، وارتَفَعَ الخِلافُ، فإذا قَضَى حاكِمٌ بثُبوتِ ذلك في أرضِ العَنوةِ ثبَتَ المِلْكُ وارتَفَعَ الخِلافُ، وتَعيَّنَ ما حُكِمَ به، وهذا يَطَّرِدُ في مَكَّةَ ومِصرَ وغَيرِهِما (١).
وقالَ مُحمَّد عِليش ﵀: والدُّورُ المَوقوفةُ هي التي صادَفَها الفَتحُ، وبَقِيتْ مَبنيَّةً؛ فإنْ تَهَدَّمَتْ وبُنِيتْ مُلِّكَتْ، وجازَ التَصرُّفُ فيها بالبَيعِ والكِراءِ ونَحوِهما، فقولُ الإمامِ: لا تُكرَى دُورُ مَكَّةَ، أرادَ به ما كانَ في زَمانِه باقيًا مِنْ دُورِ الكُفَّارِ التي صادَفَها الفَتحُ، واليَومَ ذَهَبَتْ تلك الأبنِيَةُ؛ فلا يَكونُ قَضاءُ الحُكَّامِ فيها بذلك خَطَأً، نَعَمْ يَختَصُّ ذلك بالأرَضينَ؛ فإنَّها باقيةٌ بحالِها إلى الأبَدِ، وإذا جُهِلَ الأمْرُ انتَفَعَ الحائِزُ بحيازَتِه، إذا جُهِلَ أصْلُ مَدخَلِه فيها.
وَهَل يُطالَبُ ببَيانِ سَبَبِ مِلْكِهِ؟ فقالَ ابنُ أبي زِمْنِينَ: لا يُطالَبُ، وقالَ غَيرُه: يُطالَبُ، وقيلَ: إنْ لَم يَثبُتْ أصلٌ لِمِلكِ المدَّعِي فلا يُسألُ الحائِزُ عن بَيانِ أصْلِ مِلْكِه، وإلَّا سُئِلَ.
(١) «الذخيرة» (٥/ ٤٠٧)، و «الفروق» (٤/ ١١)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٤٢٣)