أحَدُهما: لا تَصحُّ المُزارَعةُ؛ لأنَّها إنَّما أُجيزَتْ تَبَعًا لِلمُساقاةِ على النَّخيلِ، فإذا أفرَدَها بالعَقدِ … لَم تَصحَّ، كَما لَو باعَ الثَّمرةَ قبلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ، مِنْ غيرِ شَرطِ القَطعِ مُنفَرِدةً عن الشَّجرِ.
والآخَرُ: تَصحُّ؛ لأنَّا إنَّما جَوَّزْنا المُزارَعةَ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ سَقيُ النَّخيلِ إلَّا بسَقْيِ ما بَينَها مِنْ الأرضِ، وهذا المَعنَى مَوجودٌ، وإنْ عُقِدَتِ المُزارَعةُ بعدَ المُساقاةِ.
وإنْ كانَ بَياضُ الأرضِ الذي بينَ النَّخيلِ أكثَرَ مِنْ النَّخيلِ … فهَلْ تَصحُّ المُزارَعةُ عليه تَبَعًا لِلنَّخيلِ؟ فيه وَجهانِ:
أحَدُهما: تَصحُّ؛ لِمَا ذَكَرْناه مِنْ المَعنَى، وهو: أنَّه لا يُمكِنُه سَقْيُ النَّخيلِ إلَّا بسَقْيِ ما بَينَها مِنْ الأرضِ.
والآخَرُ: لا تَصحُّ؛ لأنَّ المُزارَعةَ إنَّما صَحَّتْ تَبَعًا لِلنَّخيلِ، والكَثيرُ لا يَتبَعُ القَليلَ، وإنَّما القَليلُ يَتبَعُ الكَثيرَ.
إذا ثبَتَ هَذا: فكلُّ مَوضِعٍ صَحَّحنا فيه المُزارَعةَ، فإنَّ البَذرَ يَكونُ مِنْ ربِّ الأرضِ، ويَكونُ مِنْ العامِلِ العَملُ، كالنَّخلِ في المُساقاةِ (١).
وَسَيأتي بَيانُ ذلك مُفصَّلًا عندَ الشَّافِعيةِ في المُزارَعةِ.
وقالَ الحَنابِلةُ: إذا كانَ في الأرضِ شَجرٌ وبَينَه بَياضُ أرضٍ، فساقاه على الشَّجرِ وزارَعَه الأرضَ التي بينَ الشَّجرِ، جازَ، سَواءٌ قَلَّ بَياضُ الأرضِ أو
(١) «البيان في مذهب الإمام الشافعي» (٧/ ٢٨٠، ٢٨٢)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٦٤)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٩٧)، و «الديباج» (٢/ ٤٤٤).