وذهَب المالِكيَّةُ في المَشهورِ وهو قَولٌ لِلحَنابِلةِ (١) إلى أنَّ المُضاربةَ مِنَ العُقودِ اللَّازِمةِ بعدَ الشُّروعِ في العَملِ لا قبلَ الشُّروعِ فيه.
ولِرَبِّ القِراضِ فَقط الفَسخُ إنْ تَزوَّدَ العامِلُ مِنْ مالِ القِراضِ ولَم يَظعَنْ مِنْ بَلَده -أي: يَشرَعْ في السَّفرِ- إذْ لا ضَرَرَ عليه في ذلك، وإنَّما الضَّررُ على رَبِّ المالِ فيما صرَف مِنْ مالِه.
وليس لِلعامِلِ حينَئِذٍ فَسخٌ، بل الكَلامُ لِرَبِّ المالِ دونَ العامِلِ؛ لأنَّ التَّزوُّدَ مِنْ مالِ القِراضِ بالنِّسبةِ لِلعاملِ عَملٌ فيَلزَمُه تَمامُه، إلا أنْ يَلتزمَ له العامِلُ غُرمَ ما اشتَرى به الزادَ لِرَبِّ المالِ؛ فإنْ تَزوَّدَ العامِلُ مِنْ مالِه فله الفَسخُ لا لِرَبِّ المالِ، إلا أنْ يَدفعَ له رَبُّ المالِ ما غُرِّمَه في الزادِ.
(١) قال المَرداويُّ في «الإنصاف» (٥/ ٤٤٩): وذكَر القاضِي في المُجردِ وابنُ عَقيلٍ في بابِ الشَّركةِ أنَّ المُضارِبَ لا يَنعزلُ ما دامَ عرضًا بل يَملكُ التَّصرفَ حتى ينِضَّ رأس المالِ وليسَ للمالك عزُله وأنَّ هذا ظاهرُ كَلامِ الإمامِ أحمدَ ﵀ في رِوايةِ حَنبلٍ وذكَر في المُضارَبةِ أنَّ المُضارِبَ يَنعزِلُ بالنِّسبةِ إلى الشِّراءِ دونَ البَيعِ وحمَل صاحبُ «المغني» مُطلَقَ كلامِهما في الشَّركةِ على هذا التَّقييدِ ولكن صرَّح ابنُ عَقيلٍ في مَوضعِ آخرَ بأن العاملَ لا يَملكُ الفَسخَ حتى يَنِضَّ رأس المالِ مُراعاةً لِحقِّ مالكِه، وقال في بابِ الجُعالةِ: المُضارَبةُ كالجُعالةِ لا يَملكُ ربُّ المالِ فسخَها بعدَ تَلبُّسِ العاملِ بالعَملِ، وأطلَق ذلك، وقال في مُفرداتِه: إنَّما يَملكُ المُضارِبُ الفَسخَ بعدَ أن ينِضَّ رأس المالِ ويعلمَ ربُّ المالِ أنَّه أرادَ الفَسخَ، قال: وهو الأليَقُ بمَذهبِنا، وأنَّه لا يَحلُّ لأحدِ المُتعاقدَيْنِ في الشَّركةِ والمُضارَباتِ الفَسخُ مع كَتمِ شَريكِه.