في الحَوانيتِ، مِنَ الدَّلالينَ وغَيرِهم؛ فإنَّ أحَدَهم لا يَستقِلُّ بأعمالِ الناسِ، فيَحتاجُ إلى مُعاوِنٍ، والمُعاوِنُ لا يُمكنُ أنْ تُقدَّرَ أُجرَتُه وعَملُه، كما لا يُمكِنُ مِثلُ ذلك في المُضاربةِ ونَحوِها، فيَحتاجون إلى الاشتِراكِ (١).
وقال الشافِعيَّةُ: شَركةُ الأبدانِ باطِلةٌ، سَواءٌ اتَّفقا في الصَّنعةِ أو اختَلَفا، كالخَيَّاطِ والنَّجَّارِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مُتميِّزٌ ببَدنِه ومَنافِعِه، فاختَصَّ بفَوائِدِه كما لو اشتَركا في ماشيتِهما، وهي مُتميِّزةٌ؛ لِيَكونَ الدَّرُّ والنَّسلُ بينَهما؛ فإنَّه لا يَصحُّ.
و «لِنَهيِه ﷺ عن الغَررِ» وشَركةُ الأبدانِ غَررٌ؛ لأنَّه قد يَعمَلُ أحَدُهما ولا يَعملُ الآخَرُ، وقد يَعملُ أحَدُهما أقَلَّ مِنَ الآخَرِ، ولأنَّها شَركةٌ عُرِّيت عن مُشترَكٍ في الحالِ، فوجَب أنْ تَكونَ باطِلةً، أصلُه إذا اشتَركا فيما يَستوهِبانِه؛ ولأنَّها شَركةٌ في مَنافعِ أعيانٍ مُتميِّزةٍ، فوجَب أنْ تَكونَ باطِلةً إذا اشتَركا في بَعيرَيْن لا يُؤجِّراهما، ويَشَترِكا في أُجرَتِهما.
ولأنَّ المَقصودَ مِنْ شَركةِ الأبدانِ هو العَملُ، كما أنَّ المَقصودَ مِنْ شَركةِ الأموالِ هو المالُ، فلَمَّا كانت الجَهالةُ بقَدْرِ المالِ وجَب فَسادُ الشَّركةِ، ووجَب أنْ تَكونَ الجَهالةُ بالعَملِ تُوجِبُ فَسادَ الشَّركةِ والعَملُ مَجهولٌ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ ما يَعملُه كلُّ واحِدٍ منهما غَيرُ مُقدَّرٍ، وقد يَمرَضُ فلا يَعملُ.
(١) «بدائع الصانع» (٦/ ٥٨)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٠)، و «مجمع الضمانات» (٦٤٧، ٦٤٨)، «المعونة» (٢/ ١٤٢، ١٤٣)، و «الإشراف» (٣/ ٦٨، ٦٩)، و «التلقين» (٢/ ٤١٤)، و «المغني» (٥/ ٤)، و «الكافي» (٢/ ٢٦٢)، و «مجموع الفتاوى» (٣٠/ ٩٩)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٩٢)، و «الإفصاح» (١/ ٤٤٧).